ترسم الأرصفة قصصا أبطالها يصارعون الحياة بحثا عن لقمة عيش، تشكل تأهبهم ليوم جديد يحمل المجهول، يرون أن ذلك أهم من الاستعداد لعيد لا يشعرون به إلا في ملابس الناس ومفرقعات أطفالهم. (بؤساء العيد) مصطلح يطلقه الموقنون بأن العيد يحضر ببؤسه كما يحضر بالفرحة والسرور، فمن يقصدون مصليات العيد ليس جميعهم مقبلين بحلتهم الجديدة لصلاة العيد وسط الجموع ليتبادلوا التهاني والتبريكات، بل هنالك من ذهب بثياب رثة وصحة متهالكة بحثا عن محسن يتصدق أو معطٍ فيجود مفترشو الأرصفة ومن في حكمهم فئة تصارع الحياة بكافة صعوباتها مستمسكة بالأمل، فلا دخل ماديا يغني عن العوز إلا ما يجود به الآخرون، ولا صحة تقاوم الأمراض والأوبئة لينعموا بعيش هنيء هدفهم العيش ولا شيء غير العيش فقط. يتأبطون أكياسا تحمل كنزا لهم جمعوه من مخلفات النفايات المترامية على أطراف الطرقات وحاويات القمامة، تأسرك الأعين، وتتفطر القلوب لحالهم، أطفالهم أشد غموضا وبؤسا من الآباء، فوجوههم شاحبة لا تعرف من حلوى العيد إلا الأغلفة. السؤال عنهم وعن طريقة عيشهم يضعك في موقف المتغابي؛ فمشهدهم يحكي وينقل أنموذجا من معاناة يتحاشون الخوض فيها، ساقها لهم القدر سوقا لا يستطيعون القضاء عليها، وفرض الزمن عليهم حصارا مقاومته مستحيلة، يبحثون دوما عن مخرج سرعان ما يصد، تائهين في زحام المدينة وصخبها، يلجأون إلى ركن هادئ بعيد عن أعين المجتمع، دائما متأخرون عن الركب في تعليمهم وأحلامهم وأولوياتهم. ورغم اختلاف فئاتهم ما بين شيخ كبير وأرملة عاجزة وفقراء محتاجين، إلا أن الجهات الحاضنة لهم وحدت جهودها وكرست خدماتها لإسعادهم وتوفير الحياة الكريمة، والأمل يحدو الجميع أن تمحى المأساة عن وجوه أتعبت القلوب قبل الأعين. فيما كشفت دراسة ميدانية سابقة أجريت في مدينة الرياضوجدة والدمام أن المشردين ومفترشي الأرصفة يقعون في مختلف الأعمار وأن الغالبية العظمى منهم يبلغ سنهم أكثر من 30 عاما. وأضافت الدراسة أن مشكلة مفترشي الأرصفة في المملكة لم تصل إلى حد الظاهرة الاجتماعية بمعناها العلمي الدقيق، وإنما تعد مظهرا من مظاهر الحياة نتيجة للتغيرات الاجتماعية التي يمر بها المجتمع، علما بأن هناك اختلافا في حجم هذه الظاهرة تبعا لاختلاف المناطق.