لم يتردد البوسني (سينادا هاجيتش) 47 عاما في أن يحول رغبته في الوصول إلى المشاعر المقدسة إلى واقع، فحمل زاده على ظهره وراح يجول البراري والصحراء والطرق مبتغيا فضل الله في أن يمن عليه بالوصول إلى البقاع الطاهرة، لكنه سأل نفسه هل يمكن قطع 5700 كم سيرا على الأقدام من البوسنة وصولا إلى مكةالمكرمة ؟ لم يفكر هاجيتش طويلا في الإجابة على السؤال ليجد نفسه فعليا قطع مسافة مقدرة ليبدأ حلم الوصول إلى المشاعر سيرا على الأقدام. وبعد طول المسير تحقق الحلم في أن وطأت أقدام هاجيتش أرض المملكة ليسجد لله شكرا على أن من عليه بالفضل، فتسارعت أقدامه لتحط منذ يومين في رحاب المسجد النبوي الشريف في المدينةالمنورة، قبل أن يحط رحاله أمس في مشعر عرفات مبتهلا إلى الله أن يمن عليه بالفضل والرحمات. وبدأ هاجيتش في سرد تفاصيل رحلة الحياة كما أسماها، رافضا أي وصف آخر يمكن أن يطلق عليها، وقال: «يدعون أنها ربما كانت مغامرة ليست مأمونة العواقب، وربما كانت رحلة الموت، لكنني اعتبرها رحلة الحياة وليست رحلة الموت ممن يعتبرون السير على الأقدام لمسافات طويلة قاطعا فيها كافة الظروف يمكن أن تكون معاناة حقيقية». وربما استرد هاجيتش أنفاسه أمس فقط عندما وقف مع ضيوف الرحمن في مشعر عرفات رافعا أياديه للسماء طالبا الرحمة متناسيا كل همه وتعب الرحلة ومعاناة الوصول، مضيفا: «كان كل همي الوصول إلى الرحاب المقدسة فلم أهتم إلا بهدفي الأوحد، وتناسيت العناء والمخاطرة التي قطعت فيها المسافة خلال 314 يوما، عبرت خلالها دول البوسنة وصربيا وبلغاريا وتركيا وسورية والأردن وصولا إلى المملكة»، مشيرا إلى أن كل عتاده حقيبة على كتفه لا تزن إلا 20 كم فقط. لكن هاجيتش يعترف أن تعب الطريق لم يشكل له معاناة بالقدر الذي عانى فيه من تباين ظروف الطقس من دولة إلى أخرى فمن طقس بارد جدا إلى حار جدا فيما الانتظار طويلا في المعابر كان معاناة أخرى، خاصة على نقاط التفتيش السورية بعدما عبر جسر البسفور التركي، مضيفا: «الآن بدأت الحياة من جديد، على مشعر عرفات».