أعادت تصريحات رئيس الوزراء التركي أردوغان حول استعداده للحوار مع حزب العمال الكردستاني، الحديث مجددا عن القضية الكردية في تركيا والعراق، وكانت الثورة السورية أحد أهم الأسباب التي دعت أردوغان إلى مراجعة حساباته. وبالنظر إلى أردوغان كرجل دولة يسعى إلى التطوير، فمن المهم جدا النظر بجدية حول مبادرته لحل المسألة الكردية. غير مجيء أردوغان إلى سدة الحكم في تركيا، المعادلة السياسية التركية رأساً على عقب، فقد حولت تركيا من دولة تحكمها الجيش والأجهزة الأمنية إلى دولة مدنية حقيقية، إذ أن الجيش ومنذ تأسيس الدولة في عشرينيات القرن المنصرم يعتبر نفسه وصيا على علمانية تركيا ومحافظا على علاقاتها قوية مع الغرب وإسرائيل، وعدم تقربهم من الموضوع الكردي لديها، وفشلت جميع التيارات السياسية التركية في إحداث تغيير ما في السياسة العامة التركية داخليا وإقليميا ودوليا طيلة تلك الفترة الطويلة، نتيجة تدخل الجيش، وهكذا كانت تركيا تعيش حالة اضطرابات سياسية مستمرة ودولة هامشية في محيطها الإقليمي والدولي ومنهكة اقتصاديا نتيجة قيام الثورة الكردية بقيادة حزب العمال الكردستاني منذ ثلاثة عقود والمستمرة حتى اليوم والتي كلفت تركيا حتى الآن ما يقدر ب 450 مليار دولار، وقد استطاع أردوغان بحنكته السياسية واستقطابه لقوى اقتصادية واجتماعية كبيرة في الساحة من الدخول في مواجهة العسكر وإبعادهم عن الساحة السياسة إلى حد كبير والعودة بتركيا إلى محيطها الإقليمي الإسلامي، وأصبحت تركيا بفضله من بين أقوى عشرين دولة اقتصاديا في العالم، إضافة إلى محاولاته المستمرة في إحياء دور تركيا الريادي والتاريخي سياسيا، لكنه يدرك تماما بأنه لا يمكن أن يلعب مثل هذا الدور الريادي دون إيجاد حل جذري للقضية الكردية لديه وتحقيق الاستقرار الداخلي، فلا يمكن لأي دولة أن تتقدم اقتصاديا وسياسيا وتعاني مشاكل داخلية، خاصة أن للقضية الكردية أبعادا إقليمية مؤثرة، ومن الممكن جدا أن تستغل من قِبل خصومه الإقليميين والدوليين في إرباكه وإضعافه وعرقلة طموحه السياسي، ومع أنه قد خطا خطوات خجولة في هذا الاتجاه كفتح قناة باللغة الكردية ومعاهد تعليمية واهتمام اقتصادي بالمنطقة الكردية، إلا أن ذلك لم يسفر عن نتائج مرضية، لا بل بقيت الثورة الكردية مستقطبة للشارع السياسي الكردي إلى حد كبير، ومع قدوم الربيع العربي إلى المنطقة وتنامي مفهوم الديمقراطية وحقوق الإنسان ووصولها إلى الحدود التركية الجنوبية (سوريا)، انتعشت آمال الكرد أكثر بقرب تحقيق طموحهم، خاصة أن تركيا وقفت وتقف بقوة إلى جانب الثورات العربية وخاصة الثورة السورية والتي تشعبت بسببها أطراف الصراع فيها إقليميا ودوليا، إضافة إلى تبلور القضية الكردية في سوريا وأخذها بعدا وطنيا وإقليميا ودوليا، مما دفع بوزير الخارجية التركية إلى الجلوس مع ممثلي المجلس الوطني الكردي في سوريا.