يقول الشاعر: لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها وأنا هنا أعدل البيت وأقول : لا يعرف الفراق إلا من يعايشه ولا الآلام إلا من يعانيها سبحان الله.. والحمد لله على كل حال.. لم أتصور على الاطلاق أن أتجرع ألما بقدر الألم الذي تجرعته خلال مرض رفيقة الدرب، والتي كانت بالنسبة لي السند الحقيقي في مواجهة تحديات الحياة.. والتي كانت رحمها الله تهون علي كل أمر صعب يواجهني، وكانت تعيد لي بين الفينة والأخرى أن الدنيا لا تستاهل (زعلك) وهمك وأن صحتك لا تعوض، والشيء المؤلم أنها كانت تردد ذلك وهي في عز الألم الذي كان يحرمها النوم ولو لساعة واحدة متواصلة، بعد أن عجز الطب عن علاجها واستسلم الأطباء لعجزهم عن مداواتها وطلبوا منا فقط انتظار رحيلها.. يا له من أمر صعب أن تنظر إلى أغلى الناس وهو يذبل أمامك يوما بعد يوم.. وأنت تنتظر اللحظة التي ستودعكم وداعا أبديا، والمؤلم أكثر أن أبنائها على علم بذلك، وهي لا تعرف الحقيقة، وكانت مؤملة في الحياة وتخطط لما بعد شفائها كانت رحمها الله متفائلة حتى في عز المرض عاما كاملا ونحن نصبح ونمسي على مشاهدة آلامها وهي تتلوى من الألم، ونحن نعتصر أمامها لا نقوى على عمل أي شيء سوى مزيد من مسكنات لم تعد تجدي فتيلا.. نعتصر من الألم ونقف حائرين ماذا نستطيع أن نفعل من أجلها، إنه الألم الذي لا يمكن وصفه على الاطلاق، ولا يمكن أن يستشعره ويحس به إلا من عايشه (ونسأل الله أن لا يعيشه إنسان)، دائما ما توصني وتوصي أبناءها البارين بها بشكل لا يوصف توصينا جميعا في كل لحظة أن نكون مع الله وأن لا نيأس من رحمة الله. لقد بكى كل من عرفها لفراقها لما تحمله من الفضائل والنبل والطيبة.. بكوا ونسوا ونحن بكينا ولم ولن ننسى.. تركت فراغا لا يمكن ملؤه بسهولة، وعشنا بعدها نتجرع ألم الفراق والذكريات، وقد كانت لا تفوت عملا صالحا إلا وتعمله من صلاة وصيام وقيام وصدقة وفعل كل خير.. وتدعونا لفعل ذلك، وتحرصنا عليه، وعندها أتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم (من زاد إيمانه زيد له في البلاء). فارحمها يا الله رحمة واسعة، وأسكنها فسيح جناتك، وأنزلها في الفردوس الأعلى من الجنة، ولا نقول سوى ما علمنا الله (إنا لله وإنا إليه راجعون)، وحسبنا الله ونعم الوكيل. [email protected]