تختلف طرق التعبير عن الفكرة أيا كان مغزاها، ولولا هذا الاختلاف لما تنوعت الفنون بين الرسم والموسيقى والتصوير والكتابة الأدبية. وهذا التنوع أسهم في خلق المتذوقين لكل فن إن لم يكن العكس. وفي الكتابة بشكل خاص، أجد أنه من الجميل في كثير من الأحيان استخدام أداة التلميح لإيصال فكرة معينة للقارئ، ليس لاستعراض القدرات و«فرد العضلات»، بل لاستفزاز فضول القارئ ودفعه للتفكير واستنباط رسالة ما بين السطور. قد لا يبدو الأمر ممتعا لدى الكثير ممن تعود التلقي والتلقين دون بذل أي جهد في التأمل والتحليل النقدي لما يصله من أفكار. لكن هذا لا يعني أبدا عدم حاجتنا في مواطن أخرى إلى التصريح المباشر، فهناك ما لا يحتمل غير ذلك. لن أطيل عليكم أكثر، وإليكم هذه القصة: يحكى أن قرية خضراء صغيرة قد تعرضت للجفاف بسبب تغير المناخ وقلة الأمطار، ما اضطر سكانها إلى هجرها؛ بحثا عن حياة أفضل، ومنهم عبدالرحيم، وهو رب لأسرة تتكون من ستة أطفال وزوجة. وقد استقر في قرية أخرى كانت تبعد مئات الكيلومترات عن قريته. استقبل شيوخ القرية وكبارها عبدالرحيم بالبشر والترحاب، فمنحوه عملا يناسب قدراته وسمحوا له بالإقامة في القرية بشرط واحد، وهو أن يساهم في تنمية هذه القرية، فوافق فرحا ومتعهدا بأن يقدم أفضل ما عنده! وفعل. ورغم سعادته طوال 10 أعوام أمضاها في قريته الجديدة التي أصبحت جزءا من ذاته، إلا أن بعض سكان القرية من المتسلقين كانوا يضايقونه وعائلته ويتصيدون أخطاءه ويشككون في ولائه للقرية وشيوخها في مسعى منهم لإخراجه منها، خصوصا بعدما لمسوا إتقانه لعمله واستحسان الجميع ومحبتهم له. وفي النهاية، خلقوا صراعا من نوع آخر، وأطلقوا عليه لقب «الغريب» ونشروه في مجالسهم حتى التصق به. اليوم، وبعد أكثر من 30 عاما، يروي عبد الرحيم لأحفاده قصة هذا اللقب وهو يبتسم، قائلا: لم تكن الغربة يوما في أمكنة سكناها، بل في قلوب لم تدرك يوما ما للوئام من لذة. [email protected]