بين الحين والآخر نفاجأ بقضية تشغل الرأي العام وتثير الجدل لأيام أو لأسابيع متواصلة، ثم ما يلبث أن يخبو وهج شمسها، لكن آثارها تظل محفورة في نفوس وعقول البعض منا. إن حاولت وصف حالة عقلي في تلك اللحظات التي سبقت كتابتي لهذا المقال.. لقلت بأنه كان أسير حرب التساؤلات التي قيدته بسلاسل حديدية صدئة تتجاذبه يمنة ويسرة! وبأني كنت بحاجة لاستعادة هدوئي واتزاني كي أكتب بحيادية وموضوعية دون تعصب أو تعاطف.. لذا هربت إلى واحتي الهادئة التي احتضنت قلقي وكتبت..!. ومع أول كلمة رسمتها على ورقتي قفزت أمامي بسخاء علامات استفهام كثيرة، بدت وكأنها تتزاحم وتتدافع بعنف وهي تنتظر إجابة منطقية..! فأدركت بأني في مهمة صعبة، خاصة أن مصطلحي «الثقافة» و «المثقف» يشهدان سجالا دمويا مع بداية هذا العام!. ولا أعلم لم بدا لي الأمر وكأننا كأفراد في هذا المجتمع نواجه مشكلة في تقدير قيمة المواقف التي نتخذها وأهميتها سواء كان ذلك لنا أو لغيرنا، فهجرنا الاستقلالية في الرأي وصادرنا حرية التعبير ولازمنا التبعية كأعز الأصدقاء..! وكأننا لا نملك في حياتنا أحلاما أو أهدافا أجدر وأعمق من أن نثور مع الثائرين ونبكي مع المتباكين ونجلد مع الجلادين ونسخر مع الساخرين! والمحزن في الأمر بأننا قد نفعل ذلك دون أن ندرك حقيقة ما يحدث ولماذا اتخذنا تلك المواقف دونا عن سواها..!. لكن المشكلة تأخذ بعدا آخر وأشد خطورة، حين ننسى بأن الثقافة ليست في كتابة عمود صحافي أو حضور الملتقيات والصالونات الثقافية أو إقامة معارض الفنون التشكيلية!. وبأن المثقف ليس بالضرورة أن يكون عضوا في نخبة ثقافية، أو أن يعتلي أي منبر ليقول أي شيء ويناقش في كل شيء، أو أن يمتلك حصيلة ضخمة من المعلومات!. أخيرا أقول.. بأني أتفق جدا مع الدكتور زكي نجيب محمود في قوله: «إن الثقافة حالة توجه الإنسان في اتجاه سيره، وفي ردود أفعاله، وليست الثقافة محصولا من معارف ومعلومات في حد ذاتها، بل هي الزهرة التي تنبتها تلك المعلومات والمعارف»، وأترك لك حرية الإجابة على هذا التساؤل عزيزي القارئ: هل تريد أن تبدو مثقفا أم تترجم هذه الثقافة كسلوك..؟!. [email protected]