أنصح كل مهتم بالشأن العام أو الخاص أو غيرهما من الشؤون بأن يشاهد دراما الجريمة «اكذب علي»، والعنوان (المعرب بمعرفة الكاتب) قد يبدو رومانسيا وشاعريا، ولكنه ليس كذلك، فالدراما المذكورة أنتجتها شبكة «فوكس» الأمريكية، واستمر عرضها لثلاثة مواسم، في الفترة ما بين عامي 2009 و2011، وشارك في كتابة حلقاتها المؤلف الأمريكي صموئيل باوم، وقام بدور البطولة فيها الممثل الإنجليزي تيم روث في دور الدكتور «كول لايتمان» صاحب مجموعة لايتمان المهتمة بمساعدة الجهات الأمنية والحكومية في كشف حالات التحايل والأكاذيب، أو ما قد يظهر على أنه حقيقة، وهو أبعد ما يكون عنها، ويقوم الفريق الذي يرأسه الدكتور كول بمواجهة المتهمين أو المشتبه في ارتكابهم لتجاوزات أو جرائم، وبأسلوب الأسئلة والعبارات المستفزة والتسجيلات المصورة، ولا يعتمد على ما يقولون، وإنما على قراءة نبرات الصوت وحركات الجسد وتعابير الوجه، والنتائج تأتي في الغالب صادمة وغير متوقعة وتنتهي بانهيار المجرم الفعلي واعترافه. والملفت أن الدراما تؤكد في كل حلقة بأن شخصياتها متخيلة، ولا علاقة لها بأحداث أو شخصيات واقعية، وهذا يذكرني بمقدمة كتبها الدكتور غازي القصيبي يرحمه الله في واحدة من رواياته. حبكة الدراما رغم التأكيدات ليست متخيلة بالكامل، فقد اعتمدت على تجارب وكشوفات علمية قام بها عالم النفس الأمريكي الدكتور بول إيكمان، ومجموعة لايتمان في مسارها الدرامي أو المتخيل تستخدم نظريات علم النفس التطبيقي، وما يعرف بال«مايكرواكسبريشنز» أو الحركات والانفعالات اللا إرادية لعضلات الوجه والأطراف ولغة الجسد، وتعمل على تفسيرها بطريقة مبدعة وخلاقة لمعرفة الحقائق والأكاذيب، مع مقارنتها بصور أخذت من مواقف مشابهة لمشاهير وشخصيات سياسية من الوزن الثقيل ومن جنسيات مختلفة. والفكرة أن تعابير الوجوه وتصرفات الناس التلقائية والعفوية لا تختلف مهما اختلفت ثقافاتهم أو لغاتهم، وكل هؤلاء يتطابقون تماما في شعورهم بالإهانة أو العطف أو المتعة أو الخوف أو الندم، وفي حركات أجسادهم ونبرات أصواتهم عندما يكذبون. شبكة «فوكس» الأمريكية أوقفت الدراما بعد موسمها الثالث لانخفاض أعداد المتابعين، فأرقام المشاهدة تراجعت من 12 مليونا في 2009 إلى ستة ملايين في 2011، أو هكذا يقولون، وأجمل ما في هذه الدراما أنها تقدم المعرقة بصيغة مبسطة ومشوقة جدا، بالإضافة لعدم التزامها بالمناهج المتعارف عليها في إثبات البراءة أو الإدانة، فلا تكفي البصمة والبوليغرافا وحتى الوثيقة أو الاعتراف أو حالة التلبس لإقامة الحجة أو الدليل، على اعتبار أن المتهم الحقيقي ربما توفرت لديه أدوات أو سلطات لإدانة غيره، ولدرجة قد يتصور فيها من تلفق له التهمة بأنه ارتكبها فعلا، وأحيانا يلعب الإعلام دورا في الجريمة لتحقيق مصالح مشتركة. الأجهزة الأمنية في الدول الغربية لديها أشخاص يقومون بمهام قريبة، وعلم النفس له بابه الجنائي وتطبيقاته المحلية والعربية، والمشكلة أن الرسميين والأمنيين العرب يشاركون مجتمعاتهم في تقييمهم لمن يمارس مهنة الطب النفسي وفي جدواه من الأساس، ويحترمون أشياء تدخل في خانة الخوارق وبدون سند، ولمجرد أن صاحبها قال بأنه مسحور أو ممسوس، ومن الأمثلة: قضية كاتب العدل ورصيده المليوني في المدينةالمنورة، وما جاء في الدراما الأمريكية «اكذب علي» لم يخرج من فراغ، وتم بناؤه وفق معطيات علمية مجربة ومتفق عليها بين المختصين، وأعتقد أن الاستفادة من علم النفس، وخصوصا في مكافحة جرائم استغلال السلطة والفساد والرشوة، يمثل حلا وحيدا لمواجهتها؛ لأن إدانة المتورطين فيها صعبة ما لم تكن مستحيلة. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 107 مسافة ثم الرسالة