*الكتاب: المثقفون. المؤلفة: سيمون دو بوفوار. المترجمة: ماري طوق الناشر: دار الآداب - بيروت، كلمة - أبو ظبي. ارتبطت معرفة القراء في العالم العربي بأدب وفكر سيمون دو بوفوار (8091-6891) عن طريق دار الآداب ودار العلم للملايين حيث تسابقتا على ترجمة أعمالها إبان أواخر الخمسينيات ومطلع الستينيات حيث تولت عايدة مطرجي ترجمة معظم كتبها مقابل ترجمة سهيل إدريس كتب سارتر رفيق دو بوفوار، وقد صدر بعضها دون إشارة إلى المترجم كما كان مع "مذكرات فتاة رصينة" عام 9591 (3 آلاف نسخة) عوضاً عن محاولة تشبيه الأديبة والمفكرة نوال السعداوي بدو بوفوار إثر صدور كتابها: "الأنثى هي الأصل" بكتاب الثانية "الجنس الثاني" إلا أن هذه الشخصية الثقافية الفرنسية لم تنقل كاملة إلى الثقافة العربية، خاصة، وأن الروائي والمفكر سارتر، رفيق حياتها، غطى عليها باعتباره مثقفاً مكرساً إلا أنها وصلت إلى الندية والتجاوز. اليوم تدخل إلى المكتبة العربية رواية "المثقفون" بجزئيها ترجمتها ماري طوق، ودعم نشرها مشروع كلمة - أبو ظبي، فالرواية تسلّط الضوء بالدرجة الأولى على جماعة من مثقفي اليسار، يعايشون آمالاً وخيبات وهواجس سياسية في شأن مستقبل العالم، تتحكم بها علاقات تزداد صعوبة مع الحزب الشيوعي والمصالح المتناقضة للاتحاد السوفياتي والولاياتالمتحدة. تعد رواية «المثقفون» مصنفاً شاملاً عن الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية. غني عن القول إن هذه الحرب تركت أثراً بالغاً في وجدان المثقف الأوروبي، وفي حياة سيمون دو بوفوار بالذات. فهي -في معرض كلامها عن تلك الحقبة المريرة- تقول في أحد كتب مذكراتها «ذروة الحياة»: «فجأة انهال عليّ التاريخ بكل قوته فتشظيت»، ومن هذا التشظي «ولدت امرأة جديدة متصلة بكل عصب فيها بكل فرد وبالجميع». منذ نشوب الحرب، أدركت دو بوفوار أنها أتمّت طقساً جماعياً، وخطوة حاسمة باتجاه بناء «كيانها التاريخي» على حد قولها. «أمسك بي التاريخ، على أبواب الحرب العالمية الثانية ولم يفك أسري». لا وسيلة إذاً للتفلت من التاريخ، وبما أن الأمر كذلك، فيجب التفتيش عن الوسيلة الفضلى لعيشه، ألا وهي الإلمام بكل شجونه والالتزام بقضاياه. يعرف أنها اختارت العنوان الأوّلي لكتابها Les Survivants أي «الناجون»، لأنه يتعرّض للفشل الذي آلت إليه حركات المقاومة في أعقاب نهاية الحرب وعودة الهيمنة البورجوازية. أما العنوان الثاني فكان «المشبوهون Les Suspects» والسبب الذي دفعها لهذا الاختبار الآني هو أن أحد موضوعات روايتها الأساسية التباس ظرف المثقف. إلى أن استقرت على العنوان الأخير Les Mandarins أي «مثقفو النخبة». ومعنى الكلمة يتقاطع في بعض نواحيه مع «الماندارين» أي طبقة كبار الموظفين الذين حكموا الصين، وهم يمثلون ارستقراطية مثقفة، في إشارة خفية للعنوان الى السلطة التي يضطلع بها المثقف: جدواها، وحدودها. تدور أحداث الرواية في جزئها الأول (وهي مؤلفة من جزءين: الجزء الأول تدور أحداثه في باريس أساساً وجنوب فرنسا -ما عدا رحلة هنري الى البرتغال-، والجزء الثاني بين الولاياتالمتحدة وأميركا الجنوبية وباريس) في باريس، عشية انسحاب الجيش الألماني منها عام 4491، وتمتد فترة ثلاث سنوات، حتى عام 7491. فقد أحدث تحرير باريس نشوة كبرى لم يستفق منها المثقفون إلا ليصطدموا بأجواء الحرب الباردة المرتسمة في الأفق. ذلك أن «الحرب انتهت والسلم لم يولد بعد»، على حد قول سارتر. تتطرق الرواية الى السجالات الكثيرة التي دارت بين مثقفي تلك الحقبة، وتطرح أسئلة كثيرة: أي معنى نعطي لحياتنا وسط عبثية العالم الذي نعيش فيه بعد مكابدة أهوال الحرب وأمام غموض المستقبل؟ ما هو الخيار السياسي الذي يجدر بالأديب أو الصحافي أو المثقف أن يتخذه من دون أن يتخلى عن استقلاليته، ولكن من دون أن يؤول به الأمر أيضاًَ الى الانسحاب كلياً من السياسة والتاريخ؟ كيف يمكن للأدب أو للفن أن يحتفظا بمعناهما وسط أنقاض التاريخ، سواء كانت أنقاض هيروشيما أم فاسيو؟ كيف يمكن تدارك حرب جديدة والحؤول دون الدمار العبثي للعالم؟ تطرح الرواية أيضاً أسئلة كثيرة عن الحب واستقلالية الصحافة والتسامح والعدالة والموت والحرية إلا أنه ومع نفي دو بوفوار اعتبار «المثقفون» رواية قضية، لأن مثل هذه الروايات تفترض حقيقة تمحو كل الحقائق الأخرى، وتوقف دائرة الافتراضات والشكوك التي لا تنتهي. ومع إصرارها على دعوة قرائها الى اعتبارها رواية استحضارية، بعيدة من السيرة الذاتية، ومن كونها رواية مفاتيح، أي بوصفها تتكلم عن أمور حقيقية من خلال رموز، إلا أن القارئ لا يستطيع إلا أن يماثل بين شخصيات الرواية المتخيلة والشخصيات الواقعية بمن فيهم الكاتبة نفسها التي تقول باعترافها هي أيضاً إنها حمّلت هذه الرواية فلذة ثمينة من حياتها، وهي علاقتها بالكاتب الأميركي نيلسون آلغرين. لا يمكن للقارئ إذاً إلا أن يرى ملامح لسارتر وألبير كامو وموريس ميرلو – بونتي وسيمون دو بوفوار في شخوص الرواية (علماً بأن المواد المغترفة من ذاكرة المؤلفة امتزجت وتشعبت وانصهرت لتعيد خلق الشخصيات)، ويشعر لدى قراءتها بأنها، في جزء كبير منها، تصوير للدراما الواقعية بين أبرز شخصيتين في تلك الحقبة: ألبير كامو، وجان بول سارتر، قصة هذا الصراع بين الأخلاق والسياسة، بين متغيرات السياسة وثوابت الأخلاق والوجوه العديدة والملتبسة التي يمكن أن يتخذها هذا الصراع. روبير دوبروي (شبيه الى حد بعيد بسارتر) مناضل اشتراكي قديم وأديب كبير وسياسي ناشط، لكنه، نظراً الى الظروف التي أحاطت بفترة ما بعد الحرب، ينتقل من خيبة الى خيبة. بعد تحرير باريس، يعمل على تأسيس حركة سياسية هي ال S.R.L، حركة يسارية غير شيوعية (لكن غير مناهضة للشيوعية، وهي تذكّر الى حد بعيد بالتجمع الديموقراطي الثوري الذي أنشأه سارتر وسعى فيه الى دمج البروليتاريا الفرنسية بالهيكل السياسي الوطني خارج إطار الحزب الشيوعي) تنادي بأوروبا اشتراكية من شأنها أن تشكل صمام أمان، تفادياً لاشتعال الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولاياتالمتحدة. ولدعم هذه الحركة، وسعياً وراء انتشارها الجماهيري، يعلن دوبروي عن رغبته في استخدام جريدة يديرها صديقه هنري بيرون (ألبير كامو، ربما) لتكون الناطقة بلسان الحركة. الجريدة تدعى L,Espoir (وتذكر بجريدة (Combat) التي كان كامو محرراً لها. وظهر عددها الأول في شكل علني عقب التحرير مباشرة في آب / أغسطس 4491). الشخصيات الأخرى هنري بيرون صحافي وأديب وغاوي نساء، أكثر تشبثاً من دوبروي بالهواجس الأخلاقية (لكن هذا لن يمنعه أيضاً من أن يوضع مطلقه الأخلاقي على المحك في لحظة من لحظات الرواية وتعقد الأحداث) وبحرياته كافة. وبينهما آن دوبروي، زوجة روبير دوبروي (تتشابه الى أبعد حد مع سيمون دو بوفوار)، وهي محللة نفسانية (وهي الراوية التي تتكلم بضمير المتكلم) تخطط لكتابة مؤلف، وتشعر بحاجة دائمة لأن يواصل زوجها الكتابة، فالكتابة ترتدي بالنسبة إليها أهمية مطلقة تفوق كل المشاغل الأخرى. ولكن ذات يوم من عام 6491 يطّلع روبير دوبروي وهنري بيرون، عبر وثائق سرية، على وجود معتقلات عمال سوفياتية. وهناك يتخاصم الصديقان: يرفض دوبروي إدانة علنية لمثل هذه المعسكرات تفادياً منه لإعطاء ذرائع لليمين، فيما يصرّ هنري بيرون على نشر الحقيقة. وهنا نجد كما قلنا آنفاً أصداء للخصام الفعلي الذي حصل بين جان – بول سارتر وألبير كامو، فسارتر يريد لليسار الانتصار حتى لو تخلّى عن استقلاليته، وانضم الى الحزب الشيوعي وكامو يرفض ذلك. عن هذا الخصام يقول جرمين بري في كتابه عن ألبير كامو: «كلا الرجلين كان مخلصاً، فلا سارتر ولا كامو كان يضمر في نفسه مطامح شخصية. كلاهما معنيّ بالمشكلات نفسها عن إخلاص. بيد أن بينهما خلافاً فكرياً أساسياً. فسارتر قبِل التأويل الماركسي لحتمية التاريخ وكامو يرفض. في الرواية يتصالح الرجلان في النهاية مع إقرارهما بالفشل على الصعيد السياسي، لكن من دون أن يتخليا عن الكتابة والحلم بمستقبل أفضل». وسط هذه السجالات النظرية والسياسية والفكرية، وسط هذا الرفض الصريح والمعلن للبورجوازية والاستعمار والتوتاليتارية، والتأكيد على النزعة الإنسانية والذاتية في مواجهة الأيديولوجيات كلها، الفاشية منها والنازية والستالينية، وأيضاً الرأسمالية، تدور أحداث شخصية تحكي تغيرها وسط عالم متغير تماماً، علاقات عاطفية وإنسانية تضمحل وأخرى تنشأ. وحسب مقدمة الرواية فإن «المثقفون» هي أيضاً رواية الهواجس الوجودية والعلاقات الشخصية والحب. كل ما يتصل بالحب والانفعالات ومخاوف الإنسان وقلقه لم يفقد شيئاً من نضارته في هذه الرواية. في الجزء الثاني من «المثقفون» استحضار يكاد يكون أوتوبيوغرافياً مكتمل الملامح لقصة الحب التي عاشتها سيمون دو بوفوار مع الكاتب الأميركي نيلسون آلغرين. فيما يرى عادل نصار: "يبدو دور المرأة الثانوي المجحف في حقها واضحاً في «المثقفون»، فالبطلات ترتبط مصائرهن غالباً بأزواجهن وعشّاقهن، ولا يرين أفقا أو مستقبلاً بمعزل عن نجاحات رجالاتهن. كذلك نلاحظ سرعة انكسارهن أمام خيبات الحب وسهولة سيطرة الكآبة والإقبال على الجنون أو محاولة الانتحار. على عكس رجال الرواية الأقوياء الذين لا تهزّهم الأحداث إلا نادراً وينتقلون من مرحلة إلى أخرى ومن هزيمة إلى أخرى من دون أن تترك عليهم آثاراً مبرحة". بينما يعلق الشاعر عباس بيضون على الخلاف السارتري الكاموي حيث لم يكن عاقبة الخبث أو الشر أو الخساسة كما يتراءى أحيانا للواحد ان يرمي خصمه. "كان الخلاف نوعا من مفاضلة بين خيارين صعبين غالبا. ولم يكن سارتر او كامو غير واعيين لذلك وانحازا وهي على دراية بهذا الالتباس. أظن ان هذه من سيماء الثقافة، ان لا ننحاز بدون ان يكون الانحياز ملتبسا وبدون دراية لالتباسه وحدوده. الانحياز بدون شروط ولا مسافة ولا مفاضلة صعبة سمة للعامة اكثر منها لأهل الثقافة. لنقل ان التماهي الكامل ليس من سيماء المثقفين. لنقل ان المفاضلة الصعبة تجعل الواحد واعيا بمأزق الخصم وحلقته التراجيدية. واعيا بوقتية الموقف ونسبيته. حروب المثقفين على حدتها لا تبتعد عن هذا الوعي الشقي. عن هذا الشعور بأن المرء منفرد وحيد حتى في فريق وجماعته. الوعي بأن الآخر الخصم يشاطره هذا الوعي الشقي وتلك الوحدة. يمكن لوعي كهذا ان يخرجنا من التسييس الأعمى ومن الانسياق للجماعة. مهما كان انحياز المثقف فإن في موقفه نقدا لجماعته ومسافة عنها. مهما غلا في انحيازه فإنه يدرك أن الآراء لا تصدر عن شر لكن عن موازنة أخرى. قد يكون مفيداً أن ينتج الصراع اللبناني الحالي ثقافته. أما أن يستمر كنعرة، اما ان تتأكله الحزازات، اما ان يستمر بلا أفكار فهذه بليتنا بهذا الخلاف، بلية اضافية". سيرة دو بوفوار عرفت فرنسا كاتبات مرموقات خلال القرن العشرين مثل كوليت (3781-4591)، ومارغريت يورسنار (3091-7891) غير أن سيمون دو بوفوار كانت أكثرهن شهرة وحضورا على المستوى العالمي. ولدت دو بوفوار من أب ينحدر من عائلة نبيلة، ومن أم تنتسب إلى عائلة غنية من منطقة «فاردان». الأب عاشق للمسرح والأدب. أما الأم فكانت محافظة، ومتمسّكة بالتقاليد. وفي سنوات المراهقة ارتبطت سيمون دو بوفوار بفتاة تدعى اليزابيت لاكوان، وتحدثت عنها كثيرا في كتابها «ذكريات فتاة رصينة 8591». وفي الوقت نفسه، اشتدت الخلافات بينها وبين والديها، وبدأت تبحث عن طريقة للفرار بعيدا عن البيت العائلي. وأمام من يعرفونها، أو لا يعرفونها كانت تجاهر بعدائها لكل ما يتصل بالدين.. عقب حصولها على الباكالوريا وذلك عام 4291، انتسبت إلى جامعة «السوربون» -قسم الفلسفة- الذي انضوى في ظله، في حينه، الرجال فقط. وأثناء دراستها في الجامعة، انشغلت بكتابة يومياتها التي سمتها «دفاتر الشباب»، وفيها كتبت تقول «سوف أؤسس قوة ألجأ إليها إلى الأبد!». ولم تكن هذه القوة غير الأدب الذي سوف يصبح العنصر الأساسي في حياتها حتى النهاية. التقت دوبوفوار سارتر سنة 9291 حيث تعلم هو الآخر الفلسفة في نفس المعهد. هذا اللقاء الذي سوف يحدث منعرجا هائلا في حياتها كامرأة، وككاتبة، وكمفكرة. وقد ارتبطا بعلاقة مساكنة دون زواج وهو تصرف غير مسبوق ولكنه شكل خطراً على معايير السلوك البرجوازي، ولم يقبل من المجتمع آنذاك. وخلال الثلاثينيات، لم يهتم الاثنان- أي دو بوفوار وسارتر بالأحداث السياسية الكبيرة التي هزت العالم في ذلك الوقت مثل صعود النازية في ألمانيا، والفاشية في إيطاليا، والحرب الأهلية التي اندلعت في إسبانيا عام 6391، و«الجبهة الشعبية» التي حكمت فرنسا لفترة وجيزة، من شهر حزيران/يونيو 6391 حتى نفس الشهر من عام 7391، فقد كانت الفلسفة والأدب كل ما يشغلهما. وكان طموح كل واحد منهما كتابة أعمال تخرج عن العادي والمألوف، وتنسف القوالب الجامدة. وكان سارتر قد أصدر في ذلك الوقت عملين جلبا له اهتمام النقاد، هما رواية "الغثيان"، والمجموعة القصصية "الجدار". أما سيمون دو بوفوار فلم تكن قد أصدرت أي شيء. ثم اندلعت الحرب الكونية الثانية، فجنّد سارتر وأرسل في الحين إلى الجبهة. أما دو بوفوار فقد واصلت تدريس الفلسفة في المعاهد الثانويّة، مهتمة بالخصوص بالتلميذات الذكيات والجميلات، وغير عابئة بالأخريات. وشهدت فترة الأربعينيات من القرن المنصرم ذروة إنتاج دو بوفوار الأدبي والفلسفي، بدءاً من أولى رواياتها (أتت لتبقى 3491)، واكتمالاً مع صدور كتابها (الجنس الثاني 9491) ثم أنشأت مع سارتر في عام 5491 مجلة (الأزمنة الحديثة) أرقى مجلة فكرية وأدبية عرفتها فرنسا عقب الحرب الكونية الثانية التي استقطبت أبرز الأسماء الفلسفية في فرنسا والعالم. كما أنها خلال تلك الفترة نشرت عملاً فلسفياً بعنوان (أخلاق الغموض 7491). وفي عام 9491، أصدرت سيمون دو بوفوار «الجنس الثاني» الذي سوف يكون واحدا من أهم الكتب التي ألفتها خلال مسيرتها الأدبية والفكرية الطويلة. وقد أثار هذا الكتاب موجة عارمة من الغضب والسخط داخل الأوساط الأدبية والثقافية في فرنسا. ومنذ الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي أصبح «الجنس الثاني» إنجيل زعيمات الحركات النسوية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وفي العالم بأسره. وكانت تلك بداية التحدي الذي أعلنته دوبوفوار على العالم الرجولي، حيث تعد أم الحركات النسوية قبل تجسيدها سنة 8691. كانت دو بوفوار تجسّد الفكر الوجودي في السياسة عبر فكرة «الالتزام». فكانت تدافع عن أفكارها السياسية بالقوة نفسها وتمثّل اليسار المثقّف الفرنسي. كانت مواقفها السياسية دوماً واضحة في تلك الحقبة التي عرفت الكثير من الأزمات، وقيل انها تحمل دوماً قضايا الشعب. وجالت الكاتبة على الزعماء اليساريين فقابلت غيفارا وكاسترو، وماو تسي تونغ في الصين. كذلك عبّرت عن آرائها في المواضيع الساخنة فجاهرت برفضها الحرب الأميركية على فيتنام. وعند اندلاع الحرب التحريرية في الجزائر، رفعت سيمون دو بوفوار صوتها مع سارتر ومع مثقفين فرنسيين آخرين للتنديد بجرائم جيش الاحتلال هناك، وقامت بحملات للتضامن مع جبهة التحرير الشعبية. ومع جيزال حليمي، كانت ضمن لجنة التضامن مع المناضلة جميلة بوباشا التي عذبها الجنود الفرنسيون، واغتصبوها، قبل أن يحكم عليها بالإعدام. ولم تكن سيمون دو بوفوار تتردد في النزول إلى الشوارع للمشاركة في المظاهرات المناهضة للحرب، أو لتوزيع المناشير الداعية إلى إنهائها. ونادت بالسلام في الشرق الأوسط معتبرة أنه يتحقق بقيام الدولة الاسرائيلية الى جانب تلك الفلسطينية، فزارت اسرائيل واجتمعت هي وسارتر بجمال عبد الناصر في مصر وتكلمت بالتفصيل عن هاتين الزيارتين في كتابها «Tout compte fait». بعد وفاة سارتر عام 0891، أصدرت دو بوفوار كتابا حمل عنوان «موكب التوديع 1891»، وفيه تروي علاقاتها به خلال السنوات العشر الأخيرة التي سبقت وفاته. وقد ظهر فيلم تلفزيوني حول حياتهما بعنوان (عشاق مقهى فلور) في العام 6002، يعرض جانباً كبيراً من حياة سيمون دو بوفوار التي قد لا يعرفها الكثيرون بالقدر الذي يعرفون به حياة سارتر، ويغطي ذلك الفيلم الفترة ما بين العام 9291 إلى العام 0691. رواية "المثقفون" تضاف إلى قائمة أعمالها المترجمة إلى العربية، وقد صدرت معظم الكتب عن دار الآداب: "الصور الجميلة، أنا وسارتر والحياة، نحو أخلاق وجودية، قوة الأشياء"، وعن دار العلم للملايين: "مذكرات فتاة رصينة" ثم رواية "المدعوة"، ترجمة دانيال صالح (الانتشار العربي). وضعت آن ماري سيلو كتاباً عن سارتر ودوبوفوار نقله إلى العربية ولي الدين السعيدي، وصدر عام 5991 (دار النمير) تخصص في بحث المؤثرات الأدبية الأمريكية على كتابتيهما..