أرقام زوار العيادات النفسية في السعودية من ديسمبر 2010 وحتى الأيام الأخيرة من شهر نوفمبر 2011 أو في سنة 1432 هجرية، كانت موضوعاً مكرراً في أكثر من مطبوعة محلية، والإحصاءات المنشورة لم تكن عامة فقد تناولت مدنا محددة، ولم تشمل إلا مستشفى الصحة النفسية في بريدة، ومستشفى الأمل للصحة النفسية في الرياض، وكان نصيب المدينة الأولى الموثق رسميا خمسة وعشرين ألفا وخمسمائة وواحدا وتسعين مراجعاً ومراجعة، ونصيب الثانية خمسة وعشرين ألفا وأربعمائة وثمانية وأربعين مراجعا نفسياً من الجنسين، كل هذا يحدث في مكانين فقط، فمدينتا بريدة والرياض فيهما مستشفيات وعيادات نفسية كثيرة، وهذه الأعداد لا تمثل المجموع وليست نهائية بالتأكيد، ومراجعة الطبيب النفسي كانت عيبا وعارا اجتماعيا في سنوات مضت، والتغير في نظرة المجتمع السعودي للمريض النفسي، أو الاعتراف الضمني بأنه لا يختلف عن بقية المرضى، مؤشر جيد وجميل ومطلوب، ولكنه في الوقت نفسه يطرح تساؤلا مشروعا عن أسباب التركيز على المدينتين، خصوصا أن في ذهن من يقرأ أفكارا وتصورات عنهما، في بعضها واقعية وفي البعض الآخر مبالغة أو تلفيق. في المقابل وقعت عيني على كلمة لشخصية دينية معروفة، وآمل أن لا يفسر ما سأقول بأنه تحامل أو تطاول مثلما تم في مرات سابقة، فالنقد موجه للفكرة وليس لصاحبها، وافتراض القدسية في الأشخاص العاديين لا يجوز شرعا. المهم أن محرر المادة طلب من الشخصية المذكورة رأيها في الفضائيات الدينية، طبقا لما نشرته جريدة المدينة في يوم الجمعة 31 ديسمبر 2011، وجاء الرد صاعقا وغير متوقع، فقد قال إن الخير في عدم وجودها أو وجود غيرها؛ لأن فيها مخالفة وتمكينا للمرأة من مشاهدة الرجال، وفهمت من الكلام أن المصرح الجليل يرفض التلفزيون من الأساس، ولا خلاف في أن الرأي شاذ، بدليل اعترض عضو في هيئة كبار العلماء عليه، وهو الشيخ الدكتور عبدالله المطلق، إلا أن حضوره والتصريح به ونشره يشير إلى أن الفكرة في حد ذاتها مقبولة نسبياً وهذا مربك. تمنيت بصراحة أن تكون الإحصاءات النفسية دقيقة ومكتملة وفيها نسب رجالية ونسائية، ليس تصيدا وإنما لاختبار ما ينقل ويقال في الإعلام الغربي، فربما كان من بينهم من أوصل صورة مشوهة عن المجتمع السعودي نتيجة لدوافع سيكوباتية، أو لأنه يعاني من البارنوايا والوسواس القهري، وللأمانة لست متأكدا من صحة الاحتمال، فالثابت مبدئيا أن هناك خطابا متشددا يعمل عكس التيار وضد مصالح الدولة، ويستغل العاطفة الدينية في فرض قناعات لا علاقة لها بالواقع، ويجوز أن مثل هؤلاء يتحملون جزءا من المشاكل النفسية في المجتمع، فهم يرفضون كل جديد باعتباره بدعة، ولا يفهمون من الدين إلا ما مر عليهم في بعض الكتب التراثية، و«من كان شيخه كتابه فخطؤه أكثر من صوابه» وأعتقد أنهم مسؤولون أيضا عن الازدواجية الواضحة في تصرفات السعوديين والسعوديات، وتفاوتها أو تناقضها تماما بين الداخل والخارج، فمن يحمل شخصيتين أو ثلاثا أو أربعا في تكوينه، لا يمكن أن يكون مستقرا نفسيا مهما كابر أو أنكر، والأصعب أن أصحاب هذا الخط يقدمون بدون قصد أو بقصد، أخبارا ساخنة لمن يحاول الإساءة وإظهار السعودية بشكل غير منصف. لا بد من التسليم، أو بأقل تقدير، الاعتراف بأن المخالفين ليسوا شراً بالمطلق، وأن الإعلام والأفلام والمسلسلات الغربية، لا تكفي وحدها لإصدار الأحكام واتخاذ المواقف الحدية وإن لعبت دورا مؤثرا أحيانا، فالمعروف أنها جميعا تعتمد على الإثارة والتضخيم لاعتبارات فنية ومهنية أو لرفع معدلات المشاهد والمبيعات، وأن ارتباطها بالسياسة وحساباتها أوثق من ارتباطها بما يهم الناس، وطبعا التصورات المنقولة بدون تجربة واحتكاك مباشر تحكمها رؤية الناقل وانطباعاته الشخصية، وفي رأيي، استخدام أدوات الخصوم أو من قد يوصفون بالخصوم في مواجهتهم، أفضل من الانكفاء على الذات والصمت أو الدفاع الخجول، والسعودية تتهم باستمرار في مناهجها وفي معاملتها للمرأة، والحملة عليها بدأت من 11 سبتمبر ولم تتوقف حتى تاريخه، وشارك فيها الإعلام الغربي المحسوب على اليمين بدرجة أكبر من إعلام اليسار، واليمين لن يغير في قناعاته وتلفيقاته؛ لأن أسلوبه في الحسم كان على طريقة طيب الذكر صاحب التلفزيون أعلاه، وآخر الشواهد كان في ديسمبر 2001 على قناة «فوكس نيوز» الأمريكية، أما إعلام اليسار فالتفاهم معه ممكن رغم التحفظات، ومرونته عالية في قبول التوضيحات والتراجع عن الأخطاء، بجانب أن السينما الغربية كرست القوالب والصور الذهنية الجاهزة والمغلوطة، ولا أدري لماذا يتراجع الإنتاج السينمائي السعودي في الفترة ما بين عامي 2009 و2011 من 62 فيلما إلى 22 فيلما، مع أن الأفلام وسيلة مضمونة ومجربة ومهمة لخدمة القضايا الدينية والوطنية. السعودية لن تستفيد من شخصيات ترفض أبسط مقومات الحضارة وسماحة الإسلام، وتطالب بأشياء تجاوزها الزمن ولن يقبلها عاقل، والمشاكل النفسية لا تخرج من فراغ ومحركاتها اجتماعية وثقافية في الغالب. binsaudb@ yahoo.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 107 مسافة ثم الرسالة