وقعت في يدي أخيرا معلومة أذهلتني وأعتقد أنها ستحدث التأثير نفسه في كل من يطلع عليها، فقد قرأت أن شركات إنتاج الأفلام السينمائية في الولاياتالمتحدة، صرفت لتسويق كل فيلم أنتجته في عام 2004 ما يصل إلى ثلاثين مليون دولار للفيلم الواحد، والمفارقة هنا أن هذا المبلغ لا يشكل الميزانية الكاملة لمعظم الأفلام العربية، ولعل الأصعب هو أن جزءا كبيرا من هذا المبلغ كان مخصصا ل «التريلرز» أو المواجيز الدعائية القصيرة للأفلام السينمائية الجديدة، والأخيرة لا تتجاوز دقيقة ونصف أو دقيقتين وتتناول أهم مشاهد الفيلم، ولا أدري كيف ستكون ردة فعل هيفاء المنصور أو عبد الخالق الغانم أو حتى إيناس الدغيدي، صاحبة الشنة والرنة، أمام هذه الحقيقة المؤلمة، ولا أنسى طبعا بقية السينمائيين والمخرجين العرب، وبعضهم معذور لأن السينما ما زالت محل أخذ ورد في مجتمعاتهم، ولكن الآخرين ليسوا كذلك والفرص مفتوحة وممكنة أمامهم لطرح أعمال سينمائية بمواصفات عالمية. مسألة الدعاية والتسويق تلعب دورا رئيسيا وربما مصيريا، في نجاح أو فشل أي فيلم سينمائي، وبغض النظر عن قيمته الفنية أو قضيته أو تكاليف إنتاجه، والجمهور الغربي خصوصا يتأثر بها جدا، ويعتمد عليها في تحديد اختياراته وما يرغب في مشاهدته من أفلام، وقد لاحظ المهتمون أن هذه المواد الدعائية تتوجه أساسا للمراهقين والشباب الصغار، على اعتبار أنهم يمثلون شريحة عريضة من جمهور السينما، وأنها تركز على مشاهد العنف والجنس، والكلام السابق فيه شيء من الحقيقة والدليل أن ماري أوليفر وسيريام كليانرامن (2002) وجدا أن ستة وسبعين في المائة من عروض «التريلرز» الأمريكية، تقريبا، تحوي مشاهد عنف، وأن ستة وخمسين في المائة منها تتضمن على الأقل مشهدا فضائحيا واحدا، ما يعني أنها مفيدة ومفعولها شبه مؤكد في زيادة مبيعات شباك التذاكر. أهل الاختصاص يبررون قضية الاستمتاع بمشاهد العنف والإباحية، من زاوية أنه يحقق إشباعا صحيا لرغبات محرمة أو مكبوتة، أي أنه وسيلة للتنفيس، ومنهم من يعتقد أن العنف قد يفيد الناس في مواجهة مخاوفهم، أو ما يصادفهم من مضايقات أو مشكلات، ويشعرهم بالرضا ولو مؤقتا، وآخرون يتهمونه ب «الدندنة» على وتر الفضول والاستفزاز للتحريض على المشاهدة الكاملة للفيلم، وما ذكر لا يعني بالضرورة أن الأفلام النظيفة ليس لها جمهور، فهناك أفلام درامية راقية تتفوق في مداخيلها على أفلام الخط الفضائحي أو العنيف، ولكن الصحيح أيضا أن «تبهيرها» المعتدل والمتوازن يعزز تفوقها ويزيد من رصيدها المالي والجماهيري، مثلما أن جرعة العنف أو الإباحية الزائدة كافية لنفور الجمهور وضعف إقباله على العمل السينمائي. ثم إن العنف والجنس لا يساويان الجريمة أو الرعب أو الابتذال والانحراف دائما، وقد يأخذ شكل الصراع «الرومانسي» أو المواجهة الدرامية الشرسة أو الملغزة أو المضحكة بين شخصيات الفيلم، أيا كان بابه أو تصنيفه، ومجموعة لا بأس بها من السينمائيين ترى أن الدراما الجيدة أو إجمالا «الحبكة» الناجحة جماهيريا، تحتاج في تفاصيلها إلى قليل من العنف والتلميحات غير البريئة والنكتة والإثارة السمعية والبصرية، لأنهم يفترضون أن التجمل والمثالية تخالف الواقع وطبيعة الأشياء ولا تقنع المشاهد أو تحترم عقله، والدراما بالمناسبة قد تكون عن الجريمة أو الرياضة أو الفن أو السياسة أو غيرها، ولا يشترط أن يتم العنف أو الجنس عمليا في المشهد، وإنما تكفي الألفاظ والحركات الرمزية للقيام بالمهمة، وأفلام عربية كثيرة ومتاحة في الأسواق السعودية، ومن أيام الأبيض والأسود، لجأت إلى هذه الطريقة لتجاوز مقص الرقيب، الذي خصص له الزميل والصديق العزيز محمد سعيد محفوظ، برنامجا جريئا في محطة خليجية، والبرنامج لم يعمر لأسباب يرجح أنها رقابية، ومحفوظ رقم مهم في عالم الإخراج العربي، وينتظره مستقبل واعد، وقد فاز بجوائز على أفلامه، وهو حاليا باحث في مرحلة الدكتوراة في كلية رويال هولواي في جامعة لندن، ويعمل إلى جانبها في تلفزيون «بي بي سي» العربي، والملفت أنه أختار لبحثه موضوع «اليوزرجانريتد فيديو» واستخداماته، وهرب بإنتاجه إلى العالم الافتراضي وفضاء الإنترنت، بعدما ضاقت به الأرض العربية المراقبة من المحيط إلى الخليج، وفي قلب «محمد» وعقله حكاية طويلة لم تولد حروفها، ولا أعرف إلى متى سيحتمل جسده النحيل وصوته الهادئ والأنيق كل هذا الصمت....! binsaudb@ yahoo.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 107 مسافة ثم الرسالة