النمط الثاني في نقد النزعة الإنسانية في المجال الغربي، يتحدد في الأبعاد الثقافية والإيمانية، ومن هذه الجهة من النقد، يمكن العودة إلى كتاب أستاذ الاجتماعيات في جامعة لاترب الاسترالية جون كارول الموسوم (حطام الثقافة الغربية.. رؤية جديدة في النزعة الإنسانية)، الصادر سنة 2004م. في هذا الكتاب حاول المؤلف أن يضع النزعة الإنسانية في دائرة الاتهام، ويفتح عليها سهام النقد، كاشفا عن فشلها وفشلها الذريع، ناعيا هذه الأسطورة التي حان دفنها حسب قوله، والتي انتهت بالثقافة الغربية إلى حطام، وأصابت الحضارة الغربية بالخواء الروحي والإيماني، وداعيا إلى مراجعة هذا المسار والمصير الذي انتهت إليه. ولم يتأخر المؤلف في توجيه النقد والاتهام لهذه النزعة، فقد أفتتح الفصل الأول من كتابه بتمهيد تحدث فيه من الأسطر الأولى بقوله: نعيش الآن وسط حطام عصر النزعة الإنسانية الذي استمر خمسمائة سنة، وهو حطام ضرب حصاره علينا حتى أصبحت ثقافتنا أنقاضا ممتدة على طول البصر، والتي لم تعد تقوى على حمايتنا من نسيم كوني بسيط، فما بالك بعواصف جليدية تزورنا بانتظام لتقلعنا من أحضان دفء حياتنا اليومية ليطوينا النسيان، أنندهش إذا أننا ذاهبون إلى الهاوية؟ نال منا الإحباط، لكننا غير مكترثين أبدا، وجلون مع ذلك لا تهتز لنا شعرة، خاملون مع انشغالنا، ومعوزون في غنانا، ومشردون في بيوتنا، فمن عساه أن يواسينا سوى العدم، فثقافتنا غيبت نفسها وتركتنا وحيدين، وفي دمارها ما عادت قادرة على خداعنا. وجوهر ما يريد المؤلف قوله وتأكيده في نقد النزعة الإنسانية، يقرره بقوله: سعت النزعة الإنسانية لقلب سفينة الثقافة الغربية المحملة بالنفائس، لتضع الإنسان في مركز الكون، وغاية طموحها وسعيها هو إقامة نظام في الأرض تسود فيه الحرية والسعادة، بدون وجود لأي دعائم متسامية أو فوق طبيعية، يعني نظام بشري بالكامل. وواجهها مثلما واجه الحداثة التحدي الذي كان قد طرحه ارخميدس في زمن مختلف تماما، أعطني مكانا أقف عليه وسأحرك الأرض، ووضع الإنسان الفرد في مركز الكون كان معناه أنه أصبح نقطة ارتكاز ارخميدس التي يدور حولها كل شيء، وعالم من دون وجود نقطة الارتكاز هذه، إنما هو عالم النسبية والفوضى، بلا اتجاه أو هدف أو معنى، يعني عالم يفتقد للمنطق السليم، فلا يستطيع البشر أن يعيش فيه، وتوجب على البشر لكي يصبحوا نقطة الارتكاز في الكون أن يجدوا شيئا ثابتا يستندون عليه، ولا يتحرك تحت أقدامهم.. وما يريد أن يخلص إليه المؤلف هو أن المشروع الفكري الذي جاءت به النزعة الإنسانية أصيب بالعقم، مبرهنا على ذلك من خلال مناقشة ونقد بعض الأعمال المهمة والمميزة والمؤثرة في مراحل تطور التاريخ الفكري الأوروبي، والتي أنجزها فلاسفة ومفكرون وأدباء وفنانون، مع تنويه المؤلف أن هذا الكتاب ليس دراسة للتاريخ الفكري والثقافي من حيث المعالجة الشاملة لكل منظري وفناني فترة ما، وإنما هو دراسة انتقائية حسب وصف المؤلف، تبحث عن الأفضل من تلك الروائع التي مست أعمق حقائق زمنها. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 115 مسافة ثم الرسالة