مبارك الدوسري - الرياض في عالم يزدحم بالوجوه، يظل بعض القادة الكشفيين محفورين في الذاكرة، لا بكثرة ما أنجزوا فحسب، بل بجمال ما زرعوه فيمن حولهم من أثر، ومن بين هؤلاء القادة يبرز اسم محمد بن سعد بن علي العمري، أحد أعلام الحركة الكشفية في المملكة العربية السعودية، الذي تقاعد عن العمل الرسمي عام 1434ه بعد 38 عاماً حافلة بالعطاء، قضاها في خدمة النشاط الكشفي على مستوى محافظة المخواة والمملكة، ومثّل خلالها بلاده في العديد من المحافل الإقليمية والعربية. بدأ القائد العمري مسيرته العملية مبكراً، وتولّى رئاسة النشاط الطلابي بتعليم المخواة منذ عام 1404ه وحتى تقاعده في عام 1434ه، وكان خلالها مثالًا للقائد الواعي، الذي يحمل في داخله شغفاً لا يخبو نحو تطوير الآخرين وبناء جيل من القادة، يؤمن بالعمل الجماعي ويثق بفريقه، ويعطيهم مساحة للابتكار والتفكير خارج الصندوق. عرفته من خلال زمالتنا في المعسكرات المحلية والخليجية والعربية، فكان دوماً يُبهرني بتفكيره المختلف، وثقته بمن يعملون معه، وتقديره لكل فكرة جديدة، كما كان شديد الالتزام بالتطوير الذاتي، باحثاً عن فرص دائمة لتحسين مهاراته القيادية. ما يميز القائد العمري ليس فقط حضوره الميداني وحنكته الإدارية، بل أيضاً سماته الشخصية؛ إذ كان يتحلى بالوعي الذاتي، والقدرة على تحديد الأولويات، ويمتلك فكراً استراتيجياً، وروحاً مرنة تتقبل التغيير، فضلاً عن الصدق، والتواضع، والتسامح، وكلها صفات جعلت منه قدوة حقيقية في الميدان الكشفي. ولثقة الكشافة السعودية فيه وكذا الأمر وزارة التعليم منح العديد من المهتم لتمثيل المملكة في عدد من المناسبات والفعاليات العربية والإقليمية، ومن أهمها اللقاء الأول للقادة الكشفيين العرب في تونس عام 1407ه، والمخيم الخليجي في سلطنة عمان عام 1415ه، والمخيم العربي في لبنان عام 1422ه، وبرنامج تبادل الزيارات بين المشرفين الكشفيين في الأردن عام 1426ه، وبرنامج الزيارات التبادلية لمشرفي البرامج في الكويت عام 1427ه، وفي المؤتمر العربي ال26 في السودان عام 1431ه، وفي المؤتمر العربي ال29 في شرم الشيخ عام 1441ه. ولمسيرته الحافلة بالعطاء، كرّمته جمعية الكشافة العربية السعودية بمنحه وسام القيادة الكشفي الفضي، خلال الحفل الوطني الأول للتكريم الكشفي الذي أُقيم في المدينةالمنورة عام 1426ه، تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن ماجد بن عبدالعزيز، أمير منطقة المدينةالمنورة آنذاك. إن الحديث عن القائد محمد بن سعد العمري ليس مجرد استذكار لمسيرة مهنية، بل هو استحضار لنموذج قيادي يُلهم الأجيال، ويذكّرنا أن القيادة الحقيقية تبدأ من الإيمان بالرسالة، والحرص على الأثر، والاستمرار في العطاء حتى اللحظة الأخيرة.