رفعت اللحاف عن عينيها ببطء لتسترق النظر إليه كما اعتادت أن تفعل طوال الأشهر الستة الماضية. كان يقف أمام المرآة ويصفف شعره الأبيض، بعد أن ارتدى ثوبه. لم يكن على مايرام، فقد ارتفع ضغط دمه مجددا ونصحه الطبيب بعدم إجهاد نفسه، ومع ذلك أصر على الذهاب لإنهاء النزاع الذي نشب فجأة بين أبنائه حين علموا بزواجه منها. ألقى نظرة أخيرة على مظهره قبل أن يخرج، تاركا مصباح الغرفة مضاء كعادته! ألقت بلحافها على الأرض وجلست القرفصاء وهي تغطي وجهها بكفيها وتتمتم متذمرة «ماذا فعلت!». بقيت كذلك لدقائق قبل أن تأخذ نفسا عميقا وتنهض عن سريرها باتجاه باب الغرفة، لكنها تتوقف أمام مرآتها لتتأمل الصورة الملصقة على طرفها العلوي والتي جمعتهما ليلة زفافهما. كان الحفل متواضعا، فلم يرغب «طاهر» أن ينتشر نبأ زواجه منها ويصل لأبنائه الذين عارضوا الفكرة بعد عام من وفاة والدتهم، وقبلت هي رغم عدم موافقة والديها، بل كان إصرارها عليه هو سبب زواجها، فالفرص الذهبية في نظرها لا تتكرر، وقريباتها يحسدنها على هذا الزوج الوسيم الذي يملك المال والنفوذ. وحين نصحها والدها بأن تفكر جيدا وألا تتعجل بالموافقة أجابته بالقول: هل فارق السن بيننا سبب كافٍ لرفضه؟ إنه في عِقده السادس وقد أتممت السابعة والثلاثين دون زواج! كم تبقى من العمر يا أبي لأفكر؟ أريد أن أصبح أما !.. اليوم، أفاقت من حلمها الذي استغرقت فيه حتى غرقت. لم تعرف لم فقدت الشعور الذي غمرها بداية زواجها، أتراه سوء الفهم المتكرر بينهما والذي غالبا ما ينتهي بشجار حاد أم نظرات المقارنة التي تلاحقهما حين يخرجان سويا؟ وهل قلة اهتمامه بالتفاصيل الصغيرة في حياتهما اليومية سبب كافٍ أم هو تأخر الحمل الذي كان الهدف من اقترانها به؟. أفاقت من شرودها لحظة رنين هاتفها فأجابت: ألو نعم، عفوا مدام دارين؟.. نعم أنا دارين من أنت؟، أنا الطبيب المتابع لحالة زوجك، لقد تم نقله إلى المستشفى بعد إصابته بجلطة دماغية جراء ارتفاع ضغط دمه المفرط، لكنه للأسف لم ينجو !.. ماذا !. [email protected]