ارتبط فن الحكاية بطفولة الكثير منا. فمن منا لا يذكر تلك الحكايات الجميلة التي كانت تروى لنا قبل أن نغط في نومٍ عميق ونحن نحلم بالأرنب والسلحفاة أو الأميرة وحبة الفول أو النعجة والذئب؟ ومن منا لم يتسمر أما شاشة التلفاز ليشاهد بحيرة البجع أو حصان طروادة أو الدببة الثلاثة من سلسلة الحكايات العالمية المدبلجة؟ ومن منا لم يؤلف ويروي قصصا بريئة من خياله لوالديه أو أصدقائه وهو يقسم بأنها حقيقة؟! صحيح أن تفاصيل تلك المرحلة في حياة كل منا تختلف، لكن الحكاية كانت حاضرة بشكل أو بآخر. وبما أني أهوى هذا النوع الأدبي، فسأحكي لكم هذه الحكاية.. يحكى أن كروانا كان في طريقه للعودة إلى سربه بعد رحلة بحثه عن الطعام، فسمع صوت أنين تتبع مصدره، فإذا هو طاووس ينتحب! فاقترب منه على مضض وسأله: مابك؟ لماذا تبكي؟ هل يعقل بأن أرى أجمل الطيور على وجه هذه الأرض يذرف الدمع؟ فأجابه الطاووس بعد أن رفع رأسه ببطء وأطلق زفرة: نعم، سأبكي حتى ألفظ أنفاسي الأخيرة فلم أعد أطيق الحياة بعد الآن! لقد أصبحت وحيدا بعد أن كنت محبوبا ومحاطا بالأصدقاء، كنت أختال بجمالي وألواني لأجذب نصفي الآخر ويبقى نوعنا! لكنهم ظلموني! نعم.. ظلموني حين جعلوني رمزا للكبر والخيلاء في أقوالهم، ظلموني حين صفقوا لي دون وجه حق! حين أشعروني بأنهم أصدقائي وبأني أقوم بعمل جيد يسهم في تطورنا وبقائنا!، وفجأة وجدتهم يتناقصون واحدا تلو الآخر، واحترفوا التصفيق لطاووس جديد ظهر على الساحة، واليوم لم يتبق لي سوى صدى تصفيقهم يطن في أذني.. ولا شيء آخر يذكر.!. أشعر بأني تائه أيها الكروان الطيب، ماذا أفعل؟. وهل لديك تفسير لما حدث معي؟!. إلى هنا تنتهي القصة. وهنا أقول: إن قصة هذا الطاووس تحدث وتتكرر يوميا أمام ناظرينا، ونساهم بقصد أو دون قصد في خلق حالات لا تنتهي من الحزن وفقدان الهوية والذات والأهداف الحقيقية للحياة، والتي تنتج عن اكتشاف الفرد بأن كل ما قام به لم يكن سوى فقاعة صابون، بعد أن أحسن الظن في تصفيقنا المدوي له ومنحنا ثقة عمياء بأننا بوصلة الأمان!. لكنه لم يعلم بأننا نسينا، بأن في التصفيق تكمن ثمة مسؤولية. [email protected]