يمثل العم حامد علي الحزنوي الذي شارف على التسعين من عمره، حالة استثنائية، تميز بالجلد والعزم والعصامية والأنفة، شجعته على العمل سباكا في مجتمع ينفر من هذه المهنة، إلا أن الحزنوي دخل مجالها وبات أشهر سباك في الباحة منذ نصف قرن. ورأى الأبنوي النور في صدر حزنه الوادي السحيق المجاور لجبل حزنه الشهير الذي يتطلب الصعود منه والنزول اليه نحو ساعتين ونصف سيرا على الاقدام، فعاش في كنف والده بعد وفاة والدته وهو لم يتجاوز السنة والنصف من العمر، وما إن بلغ السادسة من العمر حتى أرسله والده لرعي الأغنام والتي تتجاوز (50 رأسا) في جبال حزنه. أوضح الحزنوي أنه كان يقضي في تلك المنطقة جل وقته خالي الوفاض من الطعام سوى قطرات من الماء يحتسيها كلما ظمأ من «الوقر» وهو عبارة عن صخور محفورة تستقر فيها مياه الأمطار. وأفاد أن همه آنذاك إرضاء والده فكان يحرص على تلك الأغنام التي تعتبر مصدر رزقهم وعيشهم ويحافظ عليها ويحرسها، وما أن يحل المساء حتى يعود إلى منزله، لمساعدة والده في سقاية أشجار الليمون والحناء والشار والكادي والغراز، وقطف ما نضج منها والصعود به عبر عقبة حزنه سيرا على الأقدام لبيعه في سوق السبت الشعبي ببلجرشي. وذكر أنه سار على هذا البرنامج حتى شارف العاشرة، حينها بدأ يسمع عن مدينة جدة من أقاربه الذين ذهبوا اليها وحصلوا على أعمال أصبحت تدر عليهم أموالا جيدة، لافتا إلى أنه قرر أن يسافر مع أحد أبناء عمومته دون علم والده بعد أن استدان منه «5 ريالات فضة»، مشيرا إلى أنه وصل إلى جدة عبر المخواة في رحلة شاقة استغرقت ثلاثة أيام بواسطة مركبة قديمة عانى خلالها من الإرهاق والجوع والعطش. وألمح إلى انهما ما إن وصلا إلى قهوة الهلال في سوق العلوي في جدة حتى بدأ ابن عمه في مطالبته بسداد الدين، لافتا إلى أنه من المفارقات الجميلة لقاؤه برجل يدعى السيد من أهل المدينة يعمل نجارا طلب منه أن يعمل لديه عاملا بمبلغ لا يزيد على ثلاثة ريالات فضة. وأشار إلى أنه تمكن من جمع 60 ريالا سدد منها دينه، موضحا أنه عمل لفترة وجيزة حمالا في سوق العلوي، وتركه ليعمل مع «اليابا»، أشهر معلم بناء آنذاك، يكسر ويصقل حجارة البحر ويحولها إلى قطع صغيرة وبأجر لا يتجاوز ثلاثة ريالات فضة. وتابع: «بعد 10 أشهر اتجهت من العمل مع أحد التجار سائقا لعربات الكرو انقل عبرها البضائع كالسكر والدقيق من مكان الى آخر، وبعد خمس سنوات في هذا العمل تعرفت على أحد معلمي السباكة من الجنسية المصرية كان له الفضل بعد الله في تعليمي تلك المهنة الشريفة»، مشيرا إلى أنه كان يرافقه عند تركيب الحمامات أو تمديد المواسير في المنازل القديمة في جدة. وزاد الحزنوي: «بدأ في تعليمي وتدريبي حتى استطعت إتقان تلك المهنة بكل جدارة، وحصلت آنذاك على شهادة منه تخولني للعمل في مهنة السباكة بأي منزل»، موضحا أنه في عام 1385 أخبره أحد أصدقائه بأن إدارة تعليم البنات بحاجة إلى سباكين، فتقدمت على الفور إلى تلك الوظيفة «مساعد سباك». ولفت إلى أنه تجاوز الاختبار الذي خضع له في مكتب العمل والعمال بنجاح وأذهل اللجنة بإجادته لتلك المهنة على الرغم من «أميته». واستمر العم الحزنوي في المهنة حتى تقاعد منها عام (1415) استطاع من خلالها تعليم أبنائه تلك المهنة حتى أجادوها وأتقنوها، ليتجه حينها لكبر سنه وعدم قدرته على مزاولة المهنة مرة أخرى لفتح دكان صغير بسوق بلجرشي الشعبي (سبتان) يقضي فيه وقت فراغه في بيع الحبوب والمحاصيل الزراعية وبعض الخردوات القديمة، مبديا استعداده تعليم الشباب مهنة السباكة التي ستدر عليهم أموالا طائلة.