أمضى العم أحمد أبو قصيرة ما يربو على نصف قرن في رفقة مواتير مياه الآبار السطحية في منطقة الباحة وضواحيها، وأضحى أشهر وأقدم مهندس للمواتير كما يحلو للأهالي تسميته ومناداته. ولد العم أحمد أبو قصيرة، الذي يناهز السبعين من عمره حاليا، في قرية البركة محافظة بلجرشي، نشأ يتيما بعد وفاة والدته وتولت أخته الكبرى تربيته ورعايته والاهتمام به بمساعدة والدها، وما أن بلغ السادسة من عمره كما روى ل «عكاظ» الأسبوعية حتى أرسله والده لرعي الأغنام في أودية القرية واصطحبه أثناء زراعة الأراضي «كنت أقوم بمعاونة والدي في زراعة الخريف (الذرة) والحنطة والشعير والبصل والثوم في تلك السن المبكرة، وعند بلوغي سن الثامنة أرسلني والدي للكتاب الذي مكثت فيه سنة كاملة لكنني لم أستفد شيئا، فعدت مجددا لرعاية الماشية». في ذلك الوقت يتحدث العم أحمد كنت أسمع عن بعض أقاربي الذين هاجروا إلى مدن أخرى بحثا عن الرزق، حينها قررت السفر والاتجاه لمدينة الخرج حيث كان أحد أقاربي يعمل هناك، وعلى الرغم من معارضة والدي في البداية نظرا لحاجته إلى بقائي إلى جانبه، ومساعدته في أعمال الزراعة، إلا أن جميع المحاولات لم تثنني عن الرغبة في المغادرة. ويواصل العم أحمد حديث ذكرياته: واتجهت للعمل مع أحد أقاربي في مهنة النجارة بأجر لا يتجاوز خمسة ريالات في اليوم، وفي أوقات فراغي كنت أتوجه إلى المزارع في الخرج لكسب الرزق في سقاية النخيل وجني الثمار، وكنت ألتقي عددا من المهندسين من بلاد الشام يتولون تركيب مواتير المياه على الآبار وإصلاح المتعطل منها، كنت أتابع عملهم بدقة إلى أن شعرت بأنني اكتسبت الخبرة النظرية في هذا العمل منهم وتمكنت من تعلمها وبدأت أساعدهم في تركيب وإصلاح تلك المواتير حتى أتقنت هذا العمل وأجدته. ومارست العمل في بيع التمور 15 عاماً، وبعد ذلك اقترح علي أحد الأصدقاء فكرة ستدر علي ربحاً من خلال تركيب شبكة مياه من البئر إلى منازل القرية، ونفذت أول شبكة مياه. ولايزال العم أحمد على الرغم من كبر سنه حاليا يعمل في هذا المجال قائلا «لا أجد متعتي وسعادتي إلا في ممارسة تركيب وإصلاح هذه المواتير التي رفض أبنائي تعلمها ومزاولتها».