بخيت علي مسعود الغامدي أقدم وأشهر معلم بلاط في محافظة بلجرشي، وأول من أنشأ مصنعا للبلاط فيها منذ أكثر من أربعين عاما، في وقت لم يكن الأهالي يعرفون البلاط، حتى غدا البلاط الذي يصنعه بيده علامة فارقة تميز المنازل، فلا يكاد يوجد منزل في بلجرشي حينها، إلا وله بصمة فيه. بدأ بخيت راعيا في السادسة، وعن بداياته منذ الطفولة يقول: «كنت أرعى مائة رأس من الأغنام، وأسير بها عبر عقبة وعرة ومخيفة، وفي جعبتي القليل من الدقيق، وعلى كتفي قربة ماء، نخرج بأغنامنا مع طلوع الفجر ونسير بها وسط الجروف بحثا عن مرعى، وما أن يحل المساء حتى نعود بها إلى مقر مسكننا في الغار». ويتذكر العم بخيت أنه ترك أغنامه ذات مرة لدى أحد رفاقه، وذهب للعب مع أقرانه، وعندما حل المساء رجع وأخذ أغنامه، وعند وصوله المنزل اكتشف اختفاء 25 رأسا، فما كان منه إلا أن عاد حافيا للبحث عنها بين الجبال والأودية حتى عثر عليها. واستمر على هذا الحال في الرعي والزراعة، إضافة إلى عمله جمالا ينقل المحاصيل من بلجرشي إلى بلاد زهران حتى بلغ الثلاثين، ليقرر بعدها مغادرة بلجرشي بحثا عن عمل يعينه في مستقبل أيامه، فاستقل سيارة في أول رحلة، وليس في جيبه سوى خمسة ريالات، واستغرقت الرحلة وصولا إلى جدة خمسة أيام. وفي اليوم التالي عمل معاون (بوفجي) في مقهى في باب شريف يحمل «براريد» الشاي للزبائن، ويعبئ رؤوس «الشيشة» مقابل قرشين ونصف يوميا. بعد أن جمع مبلغ 25 ريالا، استقل سيارة نقل مع بعض رفاقه إلى الرياض، ومنها إلى الظهران، بحثا عن وظيفة في أرامكو إبان إنشائها آنذاك، إلا أن الحظ لم يحالفهم، حيث بدأت الشركة في ذلك الوقت في قبول الحاصلين على الشهادة الابتدائية. هنا استأذن العم بخيت رفاقه في الذهاب للأحساء، لوجود أحد أصدقائه الذي يعمل مبلطا في أحد المصانع هناك، فأخبره برغبته في العمل، فتوسط له عند صاحب المصنع، وتم تعيينه معاونا للمعلم في إعداد خلطة الأسمنت ورش البلاط وجليه وحمله ونقله من مكان إلى آخر، حتى أتقن المهنة على يد سعيد عبدالله عبدالغني، لينتقل بعدها إلى الدمام بعد أن دله أحد أصدقائه على مصنع للبلاط قرر صاحبه تشغيله بالقطعة بعد أن أعجب بعمله وكان يتقاضى عشرة ريالات على كل قطعة ومكث عنده أربعة أعوام، ليلتحق بعدها بمصنع آخر في الخبر، وعمل كمعلم بلاط ب15 ريالا عن كل قطعة، واستمر في العمل فيه 15 عاما، ليغادر بعدها إلى البحرين، وهناك انخرط بأحد المصانع براتب 200 ريال في اليوم. وبعد أن مكث ثلاثة أشهر، تمكن من جمع مبلغ 15 ألف ريال، أهلته لشراء ماكينة صغيرة، لينشئ أول مصنع بلاط في الباحة. وكان أثناء ذلك يجلب البودرة والخرسانة البيضاء والسوداء من جدة، ويضع خلطتها في قوالب حسب الطلب، وتركها لثلاثة أيام، ورشها يوميا بالماء وجليها وتنظيفها ومن ثم تركيبها. صنع العم بخيت الدرج وزخارف البيوت ومجالي المطابخ والأرضيات لأكثر من 250 منزلا في الباحة والمخواة وزهران وشرى إضافة لبلجرشي، حتى خارت قواه ولم يعد قادرا على العمل، فأصبح مصنعه أطلالا وذكرى من الماضي.