تم إيقاف القبول في 122 معهدا صحيا أهليا. أى أن المعاهد الصحية الأهلية بدأت في قفل أبوابها، وتسريح مدرسيها وموظفيها. وخلال سنة أو نحوها لن يكون هناك وجود لأي معهد صحي أهلي. المعاهد الصحية الأهلية يلتحق بها الحاصلون على الثانوية العامة. يدرسون فيها ما بين سنتين وسنتين ونصف ثم يمضون ستة أشهر في التدريب العملي الذي غالبا ما يكون في مستشفيات وزارة الصحة. يشرف على المعاهد الصحية الأهلية الهيئة السعودية للاختصاصات الصحية التي تضع المناهج، وتمتحن خريجي المعاهد قبل إعطائهم رخصة العمل. الفنيون الصحيون من خريجي المعاهد الصحية يعملون فيما لا يقل عن 50 مجالا من مجالات الصحة بما في ذلك التمريض بكافة تخصصات، والعمليات والتخدير، والأسنان، والعيون، والعلاج الطبيعي، والصيدلة والأشعة والمختبرات، والإدارة الصحية والطب الوقائي، والتغذية والمراقبة الصحية والتوعية الصحية.. إلخ. الأسباب التي ذكرت لإيقاف القبول في المعاهد الصحية الأهلية ثلاثة : هي أن هناك فائضا في الفنيين الصحيين من خريجي المعاهد، وأن مستوى الخريجين ليس هو المستوى المطلوب، وأن وزارة الصحة لا تريد أن توظف إلا بالبكالوريوس. سوف أستعرض في هذه الحلقة السبب الأول، وأترك السببين الآخرين لحلقة مقبلة. بادئ ذي بدء لا بد لي من أن أحيي أخي معالي د. عبد الله الربيعة وزير الصحة على الجهد الذي يبذله وفريق العمل معه في الارتفاع بمستوى الرعاية الصحية بالرغم من التحديات التي تواجههم. ولكن هذا لا يمنع أن نختلف بعض الشيء في وجهات النظر .. ومن ثم سوف أتحدث هنا بشفافية مطلقة لأن الهدف هو الصالح العام .. ومهما اختلفنا فسيظل هدفنا واحد وهو الإصلاح ما استطعنا. سوف تواجهنا في السنوات القليلة المقبلة أزمة حقيقية قوامها عدم توفر الفنيين الصحيين السعوديين مما سوف يلجئنا إلى مزيد من الاستقدام . قيل إن هناك فائضا في خريجي المعاهد الصحية. في واقع الأمر أننا في حاجة إلى أضعاف الفنيين الصحيين الذين تخرجهم المعاهد. وكان الأولى أن يقال إن وزارة الصحة ليس لديها شواغر لوظائف جديدة. نحن في بلادنا نعاني من ظاهرة الهرم المقلوب في القوى البشرية. إذ أننا في مقابل كل طبيب يعمل في المملكة (من جميع الجنسيات) يوجد فقط ثلاثة فنيين صحيين (من جميع الجنسيات) . وكان المفروض حسب المعايير الدولية أن يكون لدينا على الأقل 10 فنيين صحيين مقابل كل طبيب. سوف يتضاعف عدد سكان المملكة بعد 28 سنة أي في عام 2040 م . ومن ثم سوف يتضاعف عدد الأطباء من 65?000 طبيب ( نسبة السعوديين منهم 21?7 في المئة) في عام 1431 ليصبح 130?000 طبيب من جميع الجنسيات في عام 2040م . يومها سوف نحتاج إلى 1?040?000 فني صحي على الأقل من جميع الجنسيات ( بمعدل ثمانية فنيين صحيين لكل طبيب ) لنتماشى مع المعدلات العالمية. وإذا افترضنا أن 70في المئة منهم سيكونون سعوديين (أى 728?000 فني صحي سعودي ) وأن 20في المئة من هؤلاء سيكونون من حملة البكالوريوس (أى 145?000 وياحبذا لو سئلت وزارة التعليم العالي عن مدى إمكانية القطاعين الأهلي والحكومي مجتمعين تخريج هذا العدد ) . هذا يعني أننا سوف نحتاج يومها إلى 582?000 فني صحي سعودي من حملة الدبلوم خريجي المعاهد الصحية. لدينا منهم حاليا فقط 65.000 فني صحي سعودي دربناهم خلال 50 سنه مضت. ولن يكون إلا القلة منهم على رأس العمل في عام 2040 لظروف التقاعد أو تغيير طبيعة العمل أو الوفاة. ترى كيف نوفر هذا العدد من الفنيين الصحيين بعد إقفال المعاهد الصحية الأهلية. كم يسعدني أن يفتح المجال لمناقشة مستقبل الفنيين الصحيين للمختصين بأسلوب علمي. إذ أنها قضية صحية اجتماعية اقتصادية أمنية في آن واحد.