تحول رمضان في دنيانا الغريبة العجيبة (بإرادتنا) إلى شهر يغرس ثقافة سلوكية غير سوية في أذهان أجيالنا فبدلا من انتظاره بوصفه محطة عبادية وموسما يرسم طريقا لاستعادة الأمل تتشوق النفوس إليه لتصحيح المسار ولعلاج البثور والنتوءات ولبلسمة الجروح المتقرحة التي خلفتها شهور الغيبوبة المتراكمة وبدلا من التطلع لاستثماره في كل الوسائل والمنابر التوجيهية وفي مقدمتها الوسائل الإعلامية لتثقيف المجتمع بأمصال مضادة لجراثيم الانحراف والمعصية أقول بدلا من كل ذلك تحول بكل أسف ومرارة إلى موسم تستيقظ فيه القنوات وتزدحم برامجها فيه بالهذيان التهريجي فيتحول إلى موسم تهريج وترفيه ودعاية وتسلية ومسابقات لا تغرس قيما ولا تصنع ثقافة، وتحول أبناؤنا من انتظاره للتزود بالطاعات ينتظرونه بلهف لمعرفة ما ستقذف به تلك القنوات من المسلسلات والنكات التهريجية الفارغة التي لا تعالج مشكلة ولا تقدم عملا ينسجم مع روحانية الشهر وقدسيته، ولا أجدني معاتبا عليها في غير رمضان، لأن التوجية الرباني الضابط لهذه الثقافة السلوكية كان مغيبا خلال شهور السنة عن معظم ثقافة المجتمع وإعلامه وبرامج التوجيه فيه، لكنني ألومها على هذا الاستيقاظ الرمضاني الضار الذي أعقب مرحلة الخمول البرامجي التي عاشتها طوال العام، إن هذه الأعمال (التي تدعى زورا درامية كوميدية هادفة) جعلتنا أضحوكة أمام الأمم خارج مجتمعنا بغياب الهدف وتدني المستوى اللغوي وسطحية التعبير، وأضعفت محليا في الجسد المجتمعي جهاز المناعة وأفقدته كثيرا من قدرته على مقاومة التحولات التي غارت عليه. إن الناظر في القنوات الفضائية العربية في رمضان وهي تتسابق وتتبارى في كسب المشاهدين بتقديم هذه البرامج المملوءة بالنكات الفارغة والاستعراضات المشينة ليخيل إليه أن رمضان شهر يجلب الكآبة والحزن فيستدعي هذا أن تجند نفسها لتجلب للمشاهد ما يعوضه عما يفقده بسبب رمضان!! إن هذا الفعل أوجد انشطارا في عقول الأجيال بين ما يسمعونه في المسجد عصرا وما يلقونه في القنوات مساء، فيتساءلون ونحن معهم: هل رمضان شهر للعبادة وقراءة القرآن والصلاة؟ ألم تقل لنا المناهج إنه دورة تدريبية من أجل حياة الضمير وإحياء الخلق الرفيع وبعث السمو والقيم العليا في النفوس؟ أليس موسما لشحن الروح والجسد بالحب والإيمان والعدل والإحسان؟ أليس فرصة لإزالة أشجار العلقم التي غرستها في نفوسنا شهور الغفلة وحب الدنيا ونسيان الآخرة فأضحت لا تثمر إلا علقما ولو سقيت بالعسل المصفى؟ أليس من حق الصائم أن ترتقي روحه وتقترب من الملأ الأعلى وتقرع أدعيته أبواب السماء ويخشع صوته للرحمن فلا يسمع إلا همسا؟ إذن لماذا تحول الشهر وحول شبابنا إلى مستهلكين للدعاية والفكاهة والمسابقات الاستعراضية التي تقوم على الحظ والنصيب بحثا عن التكسب المقيت؟ أليس لدى هذه الوسائل مواد إعلامية تملأ وقت رمضان بما ينفع ويفيد؟إن أجيالنا أحوج ما تكون إلى التغيير الإيجابي لتتحول من الفوضى إلى النظام ومن البطنة إلى الفطنة ومن الكسل واللهو والعبث إلى العمل الجاد المنتج.أخيرا لك الرضى (عمر) الخليفة! ولك الشكر(عمر) المسلسل. وألقاكم. [email protected]