الإحصائيات التي أعلنت عنها وزارة العمل حول نسب المستفيدات من برنامج «حافز» توضح المأزق الذي تعيشه المرأة السعودية الباحثة عن عمل ومأزق سوق العمل ذاته. فقد بلغت نسبة النساء 86% من إجمالي المستفيدين من البرنامج حسب آخر إحصائية للوزارة. هذه النسبة تعني أن هناك ما يزيد على مليون امرأة سعودية باحثة عن عمل ومعظمهن من الحاملات لشهادة البكالوريوس، حيث إن الحاصلين على شهادة الثانوية العامة مازالوا هم الغالبية بين الذكور بنسبة تقترب من 50% بينما مثلت الحاصلات على البكالوريوس الشريحة الأولى بين الإناث بنسبة 40% .. وهذا يعني أيضا أن النساء الباحثات عن عمل لا يفتقرن إلى المؤهل التعليمي بل إلى الفرص الوظيفية المناسبة لرغباتهن وبيئتهن، كما يعني في الوقت نفسه عدم قدرة سوق العمل على توفير تلك الوظائف بالشروط التي تضعها طالبات العمل. فما المطلوب لحل هذه الأزمة؟ الكثير من النساء، إما برغبتهم الخاصة أو بضغط من أقربائهن من الرجال، يحددن شروطا قد لا تساعد على توفير فرص عمل لهن، ومن ذلك أنهن لا يرغبن في العمل في بيئة مختلطة. أمام هذا الشرط تظل الفرص المتاحة محدودة جدا، فالوظائف التقليدية في بيئة غير مختلطة والتي اعتادت المرأة العمل فيها مثل التعليم والصحة والوظائف الإدارية تظل محدودة لا تستوعب هذه الأعداد الكبيرة من الباحثات عن عمل. ولقد جعلت الثقافة وليس الشرع السمح من مفهوم الاختلاط بعبعا لا يمكن الاقتراب منه، ومن اللازم لتلك الثقافة أن تتغير حتى تجد المرأة مجالا للعمل في وظائف غير تقليدية. هناك الكثير من القرارات التي ساهمت في توظيف المرأة في مجالات غير تقليدية مثل قصر بيع المستلزمات النسائية على النساء، ومثل السماح للمرأة بالعمل عن بعد بشروط وضوابط معينة، ومثل تنظيم العمل في المكاتب بما يضمن للمرأة بيئة عمل مناسبة. إلا أن هذه القرارات من وجهة نظري تصطدم بعقبتين رئيسيتين: الثقافة السائدة التي ذكرتها أعلاه والتي تتطلب العمل الهادئ على تصحيح المفاهيم الخاطئة والمكتسبة، ومقاومة القطاع الخاص «الشرسة» لتوظيف أبناء وبنات الوطن إزاء توفر البديل له في شكل عمالة وافدة رخيصة. وليس أدل على طبيعة القطاع الخاص المنفلتة من عقالها والجشعة بطبعها، من تلك المحاولات الحثيثة للتحايل على الأمر الملكي بتأنيث بيع المستلزمات النسائية، الذي صدر منذ أكثر من خمسة أعوام، والذي ما أن بدئ في تنفيذه حتى تداعى البعض إلى ديوان المظالم في محاولة لعرقلته.. إن واحدا من أبرز الأسباب الداعمة لهذه المقاومة هو وفرة العمالة الوافدة الرخيصة وتعود قطاع الأعمال عليها وتفضيلها على أبناء وبنات الوطن، يساعدهم في ذلك تجارة التأشيرات. وليس من حل لهذه الظاهرة إلا قيام الدولة بحزم بترشيد عملية الاستقدام وفق أضيق الحدود لكي تتاح لأبنائنا وبناتنا فرص العيش الكريم والعمل والتمتع بخيرات الوطن.