يمثل الإنسان أهم عنصر من عناصر الإنتاج لأي تنظيم سواء كان أسرة أو مؤسسة أو شركة أو حتى دولة، مما يتطلب الاستثمار الأمثل فيه من خلال التعليم أولاً، ثم توفير فرص عمل وتدريب حقيقية وكريمة لهذا الإنسان، والمرأة السعودية ليست استثناءً، بل إنها أساس وشريك رئيسي في بناء وإدارة المجتمع. وعندما ننظر في واقع عمل المرأة، نجد أن مشاركة المرأة في العمل ما زالت منخفضة مقارنة بالدول المتقدمة، كما أن نسبة وأعداد البطالة بين النساء أعلى بكثير من مثيلاتها بين الرجال، أعداد تقدر بأكثر من مليون عاطلة عن العمل ممن يملكن مؤهلات جامعية ودبلوما وثانوية وغيرها من الشهادات المهنية والتعليمية. في ظل انخفاض مشاركة الرجل السعودي في العمل المصدر الأساسي لدخل الأسرة في المجتمع السعودي وخصوصاً في القطاع الخاص الذي تقدر نسبة مشاركة السعوديين فيه بأقل من (10%)، وفي ظل انتشار وسيطرة العمالة غير السعودية في القطاع الخاص وأيضاً القطاع العام (من خلال عقود الصيانة والتشغيل وعقود الدعم البشري (Outsourcing) وعقود المشاريع وغيرها من أشكال التوظيف بعيداً عن نظام الخدمة المدنية)، وفي ظل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي أصبحت فيها المرأة مصدراً أساسياً للدخل في الأسرة، في ظل كل هذه المعطيات تتقلص فرص عمل حقيقية وكريمة للمرأة السعودية، الأمر الذي يحتم على باحثات العمل القبول بأي عمل وبأي دخل أو المكوث في البيت بشكل نهائي أو بشكل موقت انتظاراً للحصول على أي وظيفة، أو حتى الدخول في أعمال قد تكون لها تبعات اقتصادية واجتماعية ونفسية خطيرة، كل هذا بسبب الحاجة الماسة للمال، ليبقى السؤال المحير دون إجابة، ما هي خيارات المرأة؟ المرأة السعودية أثبتت نفسها في كل حقول المعرفة والعمل، حقيقة لا تقبل الجدل ولا النقاش، فهناك الآلاف من عضوات التدريس في الجامعات والطبيبات والمهندسات والمعلمات والممرضات والإداريات والمحاميات والمحاسبات وأيضاً سيدات أعمال وغيرهن الكثير والكثير ممن نفتخر بهن كمواطنات سعوديات يشرفن الوطن على جميع الأصعدة والميادين، في المستشفيات والجامعات والمدارس، نجاحات تمثل دافعاً ومحفزاً للبقية للانضمام للركب والمشاركة في بناء الوطن، ولكن.. نقول ولكن، لأن فرص العمل جداً محدودة، فبعض الخريجات الجامعيات ما زلن ينتظرن سنوات وسنوات، وأخريات يئسن من الانتظار وأخريات قبلن بالأقل والرخيص. هناك (3) جوانب في عمل المرأة تنبغي دراستها ولكن بشكل متكامل، فهناك أولاً الفتاة التي ينبغي العناية بها وتنمية مهاراتها وقدراتها وزرع ثقافة العمل من جانب الأسرة والمدرسة معاً حتى ننتج مورداً بشرياً مؤهلاً ومنتجاً بكفاءة عالية. أما الجانب الثاني فيتمثل في إعادة النظر في التعليم العام والجامعي للفتاة السعودية على حد سواء، ففي التعليم العام قد يكون من المناسب الاكتفاء بالقسم العلمي (الطبيعي) في مرحلة الثانوية العامة مما يحسن من مخرجات التعليم العام بشكل كبير، ويساعد الجامعات في التركيز على التخصصات العلمية الأكثر ملاءمة لسوق العمل. أما الجانب الثالث فيختص بجانب سوق العمل – العام والخاص- حيث ما زالت أغلب الوظائف المعروضة والمطلوبة تتركز بشكل أساسي في الوظائف التعليمية، بينما هناك حاجة ماسة وضرورية للمرأة المؤهلة في أعمال وتخصصات أخرى منها: 1 الأعمال القانونية ومكاتب المحاماة، حيث إن هناك عددا كبيرا من الفتيات السعوديات المتخصصات تمكن الاستفادة منهن للعمل في هذه المجالات، سواء في بعض الوزارات مثل وزارة العدل بفروعها المختلفة ووزارة الداخلية بقطاعاتها المختلفة أو من خلال عملهن في مكاتب المحاماة القائمة أو الترخيص لهن بمزوالة العمل. 2 الطب البشري وطب الأسنان والصيدلة والتمريض والخدمات الصحية الفنية المساندة مثل المعامل والأشعة والأجهزة الطبية والمعلوماتية الطبية، على الرغم من عمل عدد من المتخصصات السعوديات في هذه المجالات، ولكن ما زالت هناك حاجة ماسة لأعداد أكبر من السعوديات في هذه المجالات، مما يحتم عمل وزارة التعليم العالي لوضع خطة مشتركة مع وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية والحكومية الأخرى لتوفير الأعداد المناسبة في المستقبل في هذه المجالات. 3 الأحوال المدنية، وذلك من خلال تفعيل مكاتب نسائية، إضافة إلى إعادة النظر في أنظمة الأحوال المدنية وخصوصاً في عملية تقنين الحقوق المالية والمدنية للمرأة (وأيضاً الطفل) في حالات الطلاق وغيرها، ويمكن لمجلس الشورى أن يتبنى دراسة هذا المشروع الاستراتيجي ووضع مسودة لنظام يحفظ ويحمي حق المرأة، ويقلل من سطوة وظلم بعض الرجال. 4 قطاع الأعمال ومنها ما صدر أخيراً بتأنيث محلات بيع المستلزمات النسائية وهي خطوة مطلوبة وعملية، وهناك فرصة مواتية في قطاعات الأعمال لعمل عدد كبير من الفتيات، ليس فقط كموظفات ولكن أيضاً كمستثمرات، فما هو حاصل حالياً وجود أسماء نسائية على محلات تجارية ولكنها حقيقة ترجع ملكيتها لرجال، مما يعطي انطباعاً وأرقاماً إحصائية خاطئة عن تملك وعمل المرأة. ويمكن العمل مع وزارة التجارة بهذا الشأن. في هذا التوقيت التاريخي ودعم الدولة والحراك الإيجابي الذي تشهده المملكة في كل المجالات ومنها المطالبات بحقوق أكثر للنساء سواء في الانتخابات البلدية أو ممارسة الرياضة في المدارس أو حقوق التمثيل المباشر في التجارة وغيرها؛ قد يكون من المناسب والضروري إنشاء جهاز أعلى يعنى بشؤون المرأة – الهيئة العليا لشؤون المرأة – ويهتم بشؤونها ويتابع جميع حالات الإساءة أو الظلم للفتيات، ويضمن وجود حلول عملية وعادلة لهذه الحالات. ويؤيد إنشاء مثل هذه الهيئة أيضاً وجود نماذج مماثلة مطبقة في عدد من الدول الإقليمية والدولية نقلا عن الوطن السعودية