لا يذكر الربيع في عالمنا العربي إلا ويذكر معه البحتري الذي سطر أبياته الشهيرة التي ذكر فيها كيف يأتي الربيع الطلق يختال ضاحكا من الحسن حتى يكاد أن يتكلم، وكيف يصحي الربيع الورود التي كانت بالأمس نائمة. فعندما قال البحتري تلك الأبيات وأسكنها قلب الثقافة العامة والأدب في التاريخ العربي، اخاله كان يريدنا أن نعيش الانطلاق في الحياة.. والتعامل مع «الخروج» والاستمتاع بمظاهر الحياة الطبيعية في البر وفي الحدائق العامة وغيرها، وهي بمثابة ترويج ودعوة سياحية للتعامل مع الطبيعة، وأعتقد من وجهة نظر خاصة أنها دعوة للناس في كل مكان وزمان للتعامل مع الطبيعة والورد والحدائق التي فيها راحة للعين خلال تعاملها مع المدى والأفق بدلا من تقوقعنا في بيوتنا مهما كبرت إذ إن العين في النهاية ستصطدم بجدار يحد من انطلاقتها. أستغرب أن كثيرا من زميلاتي وبعض الأسر الصديقة، أصبحوا يستنكفون عن الخروج إلى الطبيعة والحدائق أو المولات أو البر وغيرها هي السمة الغالبة لهم والتقوقع والاستكانة في دواخل بيوتهم حال دون الخروج والتعامل مع جماليات الطبيعة. من وجهة نظر خاصة أرى أنه وكما يأمرنا الطبيب بوجبة أسماك وتعامل فوسفوري مرة واحدة على الأقل أسبوعيا، علينا أن يكون وجوب خروجنا من داخل الإطار الجغرافي الواحد مرة أسبوعيا أو أكثر فكما للسفر فوائده الخمس، فإن هناك للخروج والتعامل مع الطبيعة فوائد ربما كانت تفوق فوائد السفر. ثم إن الدنيا التي متعنا الله بها جعل فيها خيرات ليس لها حدود لنتعرف على عظمته جلت قدرته، وليكون لنا معها تمازج جميل بين الحين والآخر. ثم إني متأكدة من أن نعم الله علينا التي لا يمكن أن تعد أو تحصى سنجد كثيرا منها ونحن نعيش أجواء الخروج والتنزه.. أخيرا، أخشى أن يفقدنا التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي التعامل مع الطبيعة وشم الهواء وراحة العين، وأولا وأخيرا راحة النفس. وفي الختام، فكما أن الربيع يأتينا يختال ضاحكا أرى أن من مهامنا أن نذهب إليه لتكون كل أيامنا ربيعا.