أطلق الإعلام الغربي على مسلسل الثورات والاضطرابات التي شهدها العالم العربي في العام الماضي مصطلح « الربيع العربي «، وكثيراً ما تساءلت هل فعلاً يعيش العالم العربي ربيعاً؟ الربيع يثير في أذهاننا صوراً رومانسية من الجمال والزهور والنسيم العليل، ويذكرنا بقول البحتري: أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً من الحسن حتى كاد أن يتكلما وقد نبه النيروز في غسق الدجى أوائل ورد كن بالأمس نوما فهل كانت تهديدات القذافي لأهالي بنغازي أو مذابح حمص أو الشلل الاقتصادي الذي أصاب مصر وتونس أو الصراع الطائفي والقبلي في البحرين واليمن وغيرهما هل كان كل ذلك ربيعاً؟ وإذا كان البعض يطلق على أحداث العالم العربي صفة الربيع تفاؤلاً بمستقبل ديمقراطي ونظام سياسي أكثر تمثيلاً للشعب وأقل فساداً ونخبوية، فهل لدينا ما يؤكد أو حتى يشير إلى أن الدول « الربيعية « قد اتجهت إلى هذا المستقبل اتجاهاً حاسماً لا رجعة عنه؟ نقول.. نتمنى ذلك ولكننا لا نستطيع أن نجزم به، وبيننا وبين ذلك المستقبل المشرق خطوات عريضة وتحديات جسام من أهمها خلق التوافق بين التيارات السياسية التي تتنافس اليوم على الحكم، والعمل على ألا نستبدل بالدكتاتوريات العسكرية والنخبوية دكتاتوريات عقدية تحتكر لنفسها الهداية والصواب، أو دكتاتوريات ديمقراطية لا تحترم حقوق الأقليات ولا تعترف بالموزايك الوطني، أو ديمقراطيات طائفية تقوم على المحاصصة وتزدهر على الفرقة، كما أن من أهم التحديات الجسام أن تتمكن الديمقراطيات الناشئة من مواجهة الاستحقاق الاقتصادي وتحقيق النمو والرخاء، ففي الوقت الذي تنمو فيه دول شرق آسيا بنسب تقارب العشرة في المائة، وفي حين تبدأ إفريقيا السوداء في تحقيق معدلات نمو قريبة من ذلك، وفي حين أن بعض دول « الربيع « مثل تونس ومصر كانت تحقق نسب نمو لا بأس بها فإن من أولى الأولويات على شعوب هذه الدول أن تمارس الانضباط وأن تدرك أن وقتاً للهدم يجب أن تتلوه أوقات للبناء. وأخيراً فإن من أهم التحديات التي ينبغي أن تواجهها الربيعيات تحدي التداول السلمي للسلطة الذي تترسخ به مبادئ الديمقراطية وتتحقق أهدافها.. ما أبعد الهوة بين الواقع وبين هذه الصورة الربيعية! ويتساءل البعض ماذا عن بلادكم ومتى يصلها الربيع؟ وأجيب بأننا نعيش ربيعاً مستمراً منذ أن أعلن خادم الحرمين الشريفين في عام 2005م في خطابه الذي وجهه إلى مجلس الشورى عقب توليه مهام الحكم برنامجه الإصلاحي الشامل في الاقتصاد والقضاء والتعليم والإسكان والبنية الأساسية وإيجاد فرص العمل وتحسين مناخ الاستثمار وتوسيع نطاق المشاركة السياسية للمواطنين ومنح المرأة عدداً من حقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية ورعاية العجزة والمحتاجين وغير ذلك كثير.. إننا نعيش في وطن يشعر فيه المواطن بأن له صوتاً مسموعاً وكرامة محفوظة وأملاً في المستقبل مشرقاً.. إن لم يكن هذا هو الربيع فكيف يكون؟؟ فاكس : 6901502/02