تقول الرواية الشعبية إن مديرا عاما لإحدى الدوائر الوظيفية أحيل على المعاش بعد أن «صفى الطبلون» وبلغت خدماته حدها الأقصى وزيادة، كان خلالها يأمر وينهي ويعاقب ويكافئ ويبعد ويقرب ويردد قول الشاعر: ترانا إذا سرنا مشى الناس خلفنا وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا !. فلما بدأت حياته التقاعدية شعر بفراغ كبير يموج من حوله وبانقطاع صلته بالحياة والناس ولم يجد أمامه إلا زوجه العجوز فأخذ يمارس عليها منذ الصباح الباكر جزءا مما كان يمارسه في الوظيفة.. من أمر ونهي وزجر وملاحظات، كان يقول لها: ما هكذا تحشى الكوسة!. أو: لماذا لم تلاحظي أن الخادمة مازالت نائمة ؟!، حتى ضاقت العجوز ذرعا بأوامره ونواهيه التي لا محل لها من الإعراب فنصحته بالبحث عن أي عمل يسليه حتى ترتاح من إزعاجه فهداه تفكيره إلى مراجعة إمام المسجد المجاور وطلب منه أن يكلفه بالإشراف على أباريق المسجد حيث لم تكن في المساجد في تلك الأيام دورات مياه مزودة بصنابير وخزانات بل يتوضأ الناس بالأباريق بعد ملئها من برميل مجاور للمسجد، فتعجب الإمام من طلبه، وقال له: أنت يا صاحب السعادة مدير عام وهذا العمل البسيط لا يليق بك وبمكانتك الاجتماعية، ولكن سعادته أصر على طلبه وزعم أنه يريد من وراء ذلك كسب الأجر فوافق الإمام على طلبه، وسلمه نحو عشرة أباريق فجعل لكل إبريق لونا فهذا أحمر وذاك أخضر والثالث أزرق يا أزرق!، وهلم جرا، ثم جلس على كرسي وأمامه الأباريق الملونة فإذا جاء من يريد الوضوء ومد يده إلى إبريق صاح به مثل الغضنفر وقال له: اترك الإبريق الأرزق وخذ الأخضر.. وهكذا وجد نفسه يمارس ما كان يمارسه من أمر ونهي فهدأت نفسه ولم يعد يلاحق زوجه في عملية حشو الكوسة أو نوم الخادمة أليسا؟!، وفي الحياة الإدارية والعسكرية والمالية أشباه لمدير عام الأباريق المشار إليه، فإن كنت منهم فدبر لنفسك قبل التقاعد عملا يسليك لأن أم العيال فيها ما يكفيها !؟.