تشكو ربة المنزل أم محمد من أن زوجها الذي تقاعد قبل 6 أشهر أصبح عبئا عليها وعلى أبنائها، فهو يصحو لأداء صلاة الفجر، ولا يعود للنوم مرة أخرى، ويطالبها والأبناء بأن يسيروا على نهجه، وتمنت أن يجد زوجها وظيفة أخرى بعد التقاعد لينشغل بها. هذه الشكوى تتكرر كثيرا في بيوت المتقاعدين، حيث يشعر الرجل الذي يترك وظيفته بعد سنوات العمل الطويلة بفراغ كبير، فيحاول جاهدا ما استطاع أن يشغل نفسه بأمورأخرى في منزله، أو في الحي الذي يسكنه، لكن هذا الإشغال قد يتضرر منه الآخرون، حتى أقرب الناس إليه، حيث يعتبرون ذلك تدخلا في خصوصياتهم. يقول نايف العتيبي (طالب جامعي) إن والده تقاعد، وكان قبل التقاعد وبحكم طبيعة وظيفته بعيدا كل البعد عن المنزل، لا يأتي إليهم إلا متأخرا، وإذا حضر لا يسأل عن شيء، لكن بمجرد أن أحيل للتقاعد بدأ يتدخل في كل صغيرة وكبيرة، يصحو مبكرا، ويتضايق عندما يرى أفراد الأسرة نائمين، يدخل غرفهم بين الحين والآخر، ويتدخل في خصوصياتهم. وأضاف أن سلوك والدهم بدأ يزعجهم، فهو يعاني من فراغ كبير، ولا يجد ما يشغله، حتى أصدقاءه الذين كانوا يتواصلون معه إبّان وجوده في الوظيفة هجروه . ولا يقتصر تأثير فراغ المتقاعدين على أسرهم، بل يمتد أحيانا إلى الأحياء، والمساجد التي تقع في نطاق سكنهم ، حيث قال عبد الرحمن العتيبي "المسجد الذي أصلي فيه يشهد من حين لآخر شدا وجذبا بين مصلين وعاملين، والسبب أن مجموعة من المتقاعدين يتدخلون في شؤون المسجد، ويطالبون الإمام والمؤذن بمطالب ليست من اختصاصهم، بل إن مجموعة منهم اتخذوا من فناء المسجد مركازا، يتجمعون فيه طوال الوقت، ويتبادلون الحديث، ووصل الأمر إلى أنهم أصبحوا يعاتبون مؤذن المسجد لو لم يفتح الأبواب قبل موعد الصلاة بنصف ساعة، مما حدا بالمؤذن أن يمنح كل منهم مفتاحا خاصا، لكنه وقع في مشكلة أخرى، وهي أن بعضهم صار يسابقه على مكبر الصوت، ويؤذن في حال تأخره ثواني معدودة". رئيس اللجنة الطبية للحالات النفسية بمستشفى الحرس الوطني ومستشفى حراء الاستشاري النفسي الدكتور رجب بريسالي أشار إلى أن الدراسات الاجتماعية أكدت أن المتقاعدين الذين كانوا في مناصب قيادية قبل تقاعدهم يمارسون نفس الأدوار القيادية على أهلهم بعد التقاعد، وهذا يؤثر سلبا على استقرار أسرهم. وأضاف أن على المتقاعد أن يبدأ حياة جديدة، ويمارس أعمالا خفيفة تخرجه من العزلة، كأن يؤدي عملا بسيطا، أو يمارس الرياضة، مشيرا إلى أن بعض الدراسات أثبتت أن المتقاعد في المجتمع الشرقي عامة، والسعودي خاصة يركن إلى الجلوس في المنزل، أو المقهى، ويعاني من عزلة اجتماعية، مما يجعله أكثر عرضة للإصابة بالقلق والاكتئاب الحاد.