أرجع الباحث في التراث المديني الدكتور مدني شاكر الشريف في ورقته «صور من المجتمع المديني خلال نصف قرن» ،التي ألقاها في نادي المدينةالمنورة الأدبي، سبب تآلف أفراد المجتمع المديني، وتلاحم أفراده وتكاتفهم إلى طبيعة التركيبة العمرانية لهذا المجتمع، حيث ساهم نظام الأحواش في الزمن السابق إضافة إلى أصالة المجتمع وارتباطه بقيم الإسلام السمحة في وجود حالة التجانس بين أفراده، موضحا أن بيوت المداينة كانت داخل تلك الأحوشة متلاصقة مع بعضها البعض، ولكل حوش باب واحد مما أدى إلى ظهور تلك البيوت وكأنها بيت واحد وأسرة واحدة، وذهب إلى القول بأن المدينة شهدت وجود شريحة الدراويش قديماً. واستعرض حزمة من الدلالات على حالة التجانس الأسرية التي ميزت المداينة عن غيرهم، منها أن أطفال الحي يشعرون أن الآباء آباؤهم والأمهات أمهاتهم حتى أنك عادة ما تجد بعض الأمهات يتولين أمر رضاعة أبناء الجيران، فتتولد الأخوة بالرضاعة مضيفا أن تلك الحالة كانت منتشرة بالمجتمع المديني في ذلك الوقت بكثرة. وأوضح أن أبرز سمات المجتمع المديني تتمثل في حبه للمرح والفرح وكل ما يدخل البهجة والسرور على النفس، مشيرا إلى مناسبة الزواج التي كانت أولى خطواتها ما يسمى ب«الراية» حين تقوم عائلة (العريس) بوضع راية على منزلهم يجتمع لها عدد كبير من الجيران والأقارب وسط غمرة من الفرح فيما تقوم أم الزوجة في المقابل بخلق أجواء فرح لا تقل عنها بالمقابل بحفلة مصغرة تسمى«الغمرة»والتي يجتمع فيها أقارب (العروس) من الدرجة الأولى داخل منزلها ويمتد الفرح إلى الخارج حيث الأصدقاء والجيران ممثلين أجمل صور التلاحم الاجتماعي. ورأى الشريف أن موضوع الحياة الاجتماعية في المدينةالمنورة تناولته الكثير من الكتب بحثا وتاريخا ومعالم وآثار بدءا من تاريخها وهجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليها وبناء مسجده الشريف وامتدادا إلى الحديث عن مساجدها وعلمائها ومعالمها وجبالها ومساكنها وأحوشتها وعادات أهلها وتقاليدها وموروثها الاجتماعي، الأمر الذي دفعه إلى الاقتصار على ذكر مشاهد اختزلتها ذاكرته خلال مرحلة الطفولة والشباب حرصا على عدم الوقوع في التكرار . وفي حديثه عن انفتاح مجتمع المدينة على جملة من الثقافات الأخرى التي تتمثل في القادمين إلى المدينة والزائرين إلى مسجدها من أجناس وألوان تختلف في عاداتها وتقاليدها لم ينكر الدكتور مدني تأثيرها على المداينة وقد ظلوا متمسكين بالتعاليم والقيم الأصيلة، مؤكدين أهليتهم لخير وأكرم جوار وهو جوار المصطفى صلى الله عليه وسلم. وبينما رأى المحامي سعود الحجيلي أن القول بوجود دراويش في المدينة يعد من «الخرافات» غير المتصورة عقلا، اتفق الباحث في معالم المدينةالمنورة المؤرخ أحمد أمين مُرشد مع ما ذهب إليه المحاضر، مشيرا إلى أنه ذكر أسماء بعض الدراويش قديما في أحد مؤلفاته، وقام بتوثيق مسجل مع عدد من كبار السن الذين عايشوا الدراويش في أحياء المدينة قديماً، كما تحدث عن دور المجتمع في احتضانهم، وأورد بعض القصص التي وردت في سيرهم.