حين يزعم الخطاب أي خطاب أنه يمتلك الحقيقة الكاملة، فإنه يضع نفسه في مساحة من الزيف وفقدان المصداقية.. أما إذا كان الخطاب متجها يبحث عن الحقيقة ولا يزعم امتلاك ناصيتها، فهو بذلك يتصالح مع أسئلة العقل ومع المتلقي فتتشكل علاقة بناء بين المتلقي والخطاب.. ويأتي نقد الخطاب سواء على المستوى النظري أو على المستوى الإجرائي ليتيح لنا مساحة مشرعة تفضي إلى اختلاف وإثراء وفائدة.. ولعل الناقد والأديب محمد حسن عواد يرحمه الله وتحديدا في كتابه (خواطر مصرحة) الصادر في العام 1345ه هو أول من وجه نقده للخطاب الديني منطلقا من رؤى دينية إسلامية تستوعب دور الإنسان المهم في مشهد الحياة يقول: (خلق الدين ليسدد خطوات الإنسان ويقوده إلى طريق الحقيقة والنور .. خلق ليقضي على الجمود وليضع حدا للتعصب العنصري والغشاوة الفكرية)وهو أيضا يجيء برؤى طليعية حداثية معاصرة تنطلق من وعيها بالأصالة والتراث.. فيعلن موقفه تجاه أدباء الحجاز فكانت أفكاره تتلاقى مع حركة الأدب العربي في مصر ولبنان والمهجر وفقا لرأي الدكتور عبدالله الغذامي. وكان يرى أن الشعر من حيث هو لغة متجددة تنمو وترتقي فينحاز للغة الجديدة. كان العواد محتجا وناقدا للخطابات باتجاه الأدب واللغة والنقد والاجتماع، وكان قاسيا في آرائه حين قال في خواطره المصرحة باتجاه أدباء وعلماء الحجاز على وجه الخصوص: (( هل عرف العالم الحديث حجازيا ظهر ف عالم الأدب؟ هل يعرف التاريخ الأخير حجازيا ظهر في عالم التفكير؟ هل سمعت الأمم الحديثة بحجازي خدم الحضارة الحجازية؟ كلا. ومن كان مكابرا فليتفضل بتقديم فرد واحد!!! اللهم هنا علماء دينيون، وكلهم جامدون. هنا أدباء عصريون ولكنهم مقلدون)) كانت رؤيته لعلماء الدين في تلك الفترة تقوم على معطيات متعددة هو يراها ويقوم بتحليلها فالجمود وعدم التجديد للخطاب لايحبذه، وكذلك الأدباء (المقلدون). وعندما ننظر لآرائه تجاه العلماء في مكة نجد أنه جاء ناقدا ومتهكما فيختلف مع المصطلحات من داخل الخطاب؛ فكلمة (عالم) يتوقف أمامها في قراءة لدلالتها بقوله: (ياسادتي إن إطلاق كلمة عالم على أحدكم تسامح كبير). كان يعتمد على أسلوب التهكم الشديد في قراءة بنية الخطاب الديني آنذاك.. يقول عنه الناقد حسين محمد بافقيه في كتابه ذاكرة الرواق وحلم المطبعة: (ويسوق عواد عباراته في علماء الحجاز بأسلوب فيه تهكم شديد، وفيه سخرية مرة، وعبارة لا تخلو من حركة مسرحية، وكأنه في جمع من الناس)، ويضيف:(غلا محمد حسن عواد في دعواه العريضة هذه، وأسرف على نفسه وعلى الثقافة في الحجاز) وأخيرا لربما كان يرحمه الله مسرفا على الثقافة في الحجاز؛ لكننا يجب أن ننظر لخواطره المصرحة بوصفها ممارسة فعلية في نقد الخطاب سواء على مستوى المنطوق أوعلى مستوى المفهوم. [email protected]