إحدى أهم خصائص المجتمع الناجح والقوي الواثق من نفسه هو الانضباط أو التعود على النظام والالتزام. فالانضباط هو أساس وقوام كل شيء، حتى الدين والعقيدة. فبدون انضباط لا يوجد احترام للنفس وللآخرين أو لأي شيء آخر، وبدون انضباط لا يوجد انتماء للمجتمع وولاء للوطن، وبدون انضباط أو نظام لا يوجد إنتاج، ولا تفيد قوانين، ولا ينفع مال أو علم، تكاد تنعدم الأخلاق وتسود الفوضى وتعم اللامبالاة. لا فائدة في شباب غير منضبط، ولا أمل يرجى من مجتمع يفتقد إلى الانضباط والنظام والالتزام. وتاريخيا نلاحظ أن الانضباط هو أساس كل تطور وتقدم. لم تنشأ حضارة وتزدهر في مجتمعات ينقصها الانضباط والنظام، وتسود فيه اللامبالاة. تأملوا حتى مملكة النمل، ومملكة النحل وبعض قطيع البرية، تتميز عن غيرها من المخلوقات بالانضباط والنظام والالتزام، لذلك هى مترابطة وعاملة ومنتجة. الانضباط هو سلوك يتعلمه الإنسان منذ طفولته بدءا من بيئة منزله، ثم في مدرسته، ثم في مجتمعه، وأخيرا بما يفرض عليه في بيئة عمله أو مسؤولياته. فإذا كان المنزل غير منضبط ولا يهتم بزرع هذه الصفة في أطفاله، وإذا كانت المدرسة لا تضع تكريس الانضباط فى نفوس طلبتها ضمن منهجها، وإذا كان المجتمع نفسه لا يفرض على أفراده التمسك بالانضباط ويوبخ كل من يساعد على الفوضى ويعاقب كل من لا يلتزم، فلا يبقى حينئذ إلا فرض الانضباط بكل وسيلة متاحة على الأفراد وعلى المجموعة، أي على المجتمع ككل. وربما كانت أفضل وسيلة لغرس الانضباط في خصائص الشباب والرجال هي فرض التجنيد الإجباري عند بلوغهم سنا معينا، ولفترة تتراوح بين عام وعامين. خلال هذه الفترة القصيرة، يمكن للشباب تعلم أشياء كثيرة، مثل الانضباط والالتزام، والولاء والانتماء، وأيضا حرفة يدوية جديدة ومهارات فنية كانت غريبة عليه، يستفيد منها مستقبلا ويفيد بها أهله ووطنه. فالتجنيد لا يعني العسكرية فقط وإنما يعني أيضا الأمور المدنية الأخرى التي يفتقدها المواطن في حياته العادية في المنزل أو المدرسة أو فى مجتمعه المدني الكبير. وقد لاحظت بنفسي التأثير الإيجابي للتجنيد على زملائي الشباب من طلبة الجامعات الألمانية أثناء دراستي في ألمانيا أولا، ثم على الشباب الأمريكي عندما تابعت دراستي في أمريكا بعد ذلك. ففي الحالتين كنت أعجب بالانضباط الدقيق الذي كان يتمتع به هؤلاء الشباب في كل شيء، من احترام المواعيد والالتزام بالوقت، والتعامل بثقة واحترام مع الآخرين، إلى المقدرة على التعامل بجدية أو رجولة مع الأحداث الجامعية والمدنية والسياسية في ذلك الوقت. وكنت عندما أسألهم، أين تعلموا هذه المهارات المختلفة، وبعضها يختص بمهن وحرف وأعمال يدوية أو فنية، كانت إجاباتهم دائما أنهم تعلموها أثناء الفترة التي قضوها في معسكرات التجنيد، حيث تم صقلهم وتدريبهم لخدمة أنفسهم ووطنهم ومستقبلهم. ربما يرى المسؤولون في وطننا الكبير جدوى دراسة هذه الفكرة وقد حان وقتها، فالشباب المنضبط، المتدرب والملتزم، هو ساعد وذخر الوطن، وصف المواجهة الأول عند اللزوم، ونحن نواجه بكل تأكيد مستقبلا لا نعلم ماذا تخبئ لنا أحداثه. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 129 مسافة ثم الرسالة