سادت المناطق الريفية والقرى قديما عادات وطقوس، مالبثت أن توارت مع التحولات الاجتماعية والمد الحضاري الحديث، ورغم زوالها، مايزال كبار السن يذكرونها في مجالسهم . كان هناك مايعرف بينهم باسم «السرعة» و”اللزومة» و”العملة» ومايصاحب تلك المناسبات من غناء وولائم وأهازيج . وكانت مواسم الحصاد وجني الثمار والمحاصيل والصرام والدياس وبناء بيوت الحجر وصب الطين فوق أسقفها من الأخشاب والأحجار التي تعرف باسم «الصلي» وكذلك بناء «الضروح» وهي جدران المزارع. وكثيرة هي الأعمال والعادات التي مايزال يستذكرها الكثير من المعمرين وكبار السن في المخواة وتختزنها ذاكرتهم. ورغم السنين وتباريح الزمن إلا أنهم يجترون ذكرى تلك الأيام مصحوبة بالحنين والشجن ،ويتحسرون في أسمارهم على أيام زمان رغم ما فيها من ضيق ذات اليد وساعات العمل التي لم تكن تخلو من التعب والإرهاق وقلة الموارد. يستذكر أحمد بن علي في جلسة مسامرة مع مجموعة من الحضور في ديوانية لجنة التنمية الاجتماعية في المخواة كيف كان يستيقظ في الصباح الباكر ، يصلي الفجر ،ثم يتناول التمر مع القهوة أو قرص الدخن أو خبزة الذرة أو البياض أو المقتصرة،فيما يكون هناك قرص الميفا «التنور» ومعه مايتوفر من لبن أو «إيدام» وإن لم يجد فمع الماء ، ثم يتوجه بعدها إلى الحقل ليحرث الأرض على دابته ،أو يساعد في حصاد محصول الذرة أو المقتصرة أو الدخن أو البيضاء ، أما الحبوب فتجمع ويحملها الناس على ظهور الدواب أو على ظهورهم، ونقلها إلى مكان الدياس حيث يتم إخراج حب القمح بمفردهم أو بمشاركة جيرانهم أو بعض أقاربهم، في حين يذهب البعض إلى بطون الأودية وسفوح الجبال خلف مواشيهم أو للاحتطاب، أو العمل مع نفر من الجماعة في مجال البناء. وإلى ذلك يقول العم عبدالله محسن إنه كان وأقاربه وجيرانه من المعروفين في مجال البناء، يهجرون القرى متجهين إلى أماكن أخرى، فيما كان البعض يذهب إلى نواحي الساحل طيلة فترة الحصاد أو مواسم الزراعة والتي كانت تزيد على الشهر. ويتذكر هؤلاء كيف كانت طريقتهم في حماية المحاصيل من الطيور كما يقول علي بن عوض « كان الناس يقومون ببناء عرائش من الخشب تسمى «العشة» وتغطى بمايتوفر من الخيش أو النايلون وتبنى «العشة» من جذوع الأشجار حول المزارع «. ويجمع الكثير من الآباء والأجداد ،على أن تلك الأيام كانت الأجمل والأفضل لما كانوا يلمسونه من تعاون بين أفراد الأسرة والأقارب والجيران والمعارف ،حتى أنه كان من المعيب في نظرهم ألا يشارك الجار جاره والقريب قريبه ،في الطينة أو السرعة أو الصرام والدياس التي تتطلب جهدا مضنيا لحمل الأعلاف والعذوق على الأكتاف إلى أسطح المنازل وهم يرددون الأغاني والأهازيج الحماسية. ويضيف عبدالله بلغيث أن أحدا لم يكن ليبخل في تقديم العون والمساعدة لجاره أو قريبه «كان الناس فعلا يشكلون أسرة واحدة متحابة، فإذا ما خرجوا إلى المزارع أو بطون الأودية،يساعدون بعضهم البعض ويتعاونون معا على إنجاز كافة الأعمال وكأنها مهمة مطلوبة منهم جميعا على حد سواء». ولم تكن طقوس «العملة» بحسب الباحث محمد مشعل الشدوي تخلو من أشكال التكافل الاجتماعي بينهم ،فالجار كان يطعم جاره مما يطهو من طعام ،وكذلك صاحب الأغنام يعطي جاره رأسين كنوع من ال (بخاتة ) ،أو منحه شاه أو سخلة صغيرة. ويخصص صاحب المزرعة جزءا منها لجيرانه من الفقراء واليتامى كما كانت تنشط بينهم الزيارات العائلية، وزيارة الأرحام، وتفقد أحوال بعضهم البعض ،وتكثر بينهم ولائم «السرعة» والسماوة وتقام حفلات العرضة ابتهاجا بالمناسبات المختلفة ،فيغسلون بتلك الممارسات أدران الروح وأوجاع الزمن ولكن بدون تبذير أو إسراف. ويذكر الباحث محمد مشعل الشدوي أنه كانت هناك عادة تعرف ب «اللزومة» وهي للحميلة (الأقارب من النساء ) ويشرحها بقوله: عندما يزور رجل قرية ما ويفد على أهلها ويكون له فيها نساء من أقاربه، فإنه يأخذ من الوجبة المقدمة (وتكون غالبا ذبيحة ) فيقتص منها وجبة تكفي المرأة من أقاربه في هذه القرية، وإن كانت أكثر من واحدة فإنه يقتص لكل واحدة منهن لزومتها.