في عصر طغت فيه أهمية المادة على العلاقات الإنسانية، وأصبح فيه الإنسان محاطا بأشباح قتلت فيه بعضا من تلك المشاعر التي هو في أمس الحاجة إليها لشق طريقه في دهاليز الحياة، تخنقني بعض المشاهد المؤلمة..! فمن المؤلم جدا بالنسبة لي رؤية علاقة جميلة تنتهي بأسباب لا تكاد تذكر! ولا أتقبل بسهولة فكرة أن «قسوة» البعض هي أمر طبيعي، وبأن «مزاجية» البعض الآخر هي من المسلمات! ألسنا نؤمن ونردد دوما بأن لكل مشكلة حلا.. إذا لم نتملص من مسؤولياتنا حين نلمح اقتراب الغيوم السوداء؟! هل نعجز عن مواجهة أنفسنا بأخطائنا أم أننا نستسهل فكرة الهرب والانزواء حتى نَنْسَى ونُنسى!؟. وإن حدث أن تكفلت الأيام بالتربيت على أكتافنا ومسح دموعنا، فهي لن تقدر على إيجاد حل لخلافاتنا أو تقريب وجهات نظرنا على أقل تقدير..! لذا نحن بحاجة للتمرد!. نعم.. التمرد! نحن بحاجة للتمرد على الآخر الذي ولسبب ما أصبحنا في آخر اهتماماته، وأصبحت علاقتنا الجميلة به أمرا مملا ويكاد يكون منسيا، لدرجة جعلت من اهتمامنا به والسؤال عنه أمرا مزعجا يجب أن يتوقف.. فيا للعجب!. وإن قلنا بأن في تصويرنا للأمر بهذه الطريقة مبالغة، والسبب ببساطة هو خلل في نفسيات أو شخصيات البعض جعلهم يتصرفون بهذه الغرابة، فليس من المعقول أن كل من يعيش على هذه الأرض يعاني من عقد نفسية أو خلل في بناء الشخصية!. وإن افترضنا ببراءة أن الآخر يحتاج لمساحة يختلي فيها بنفسه ويعيد ترتيب أوراقه المبعثرة، أليس لنا الحق بأن نعرف بطريقة لبقة وغير جارحة وبعيدة عن التهميش!؟. وإن اكتشفنا أن المشكلة تكمن فينا نحن، ألا نستحق أن نمنح فرصا لإصلاح ما هو بحاجة لذلك.. وصبرا حتى تنتهي عملية التغيير للأفضل؟. لماذا ينسى الكثير منا أن الأولوية للإنسان قبل كل شيء؟ ولِم يتجاهل الكثير إيثار الغير على النفس؟ ولِم لا يدرك الفرد أنه بخسارة أي علاقة إنسانية فهو يخسر جزءا من ذاته؟ هل تراها حالة من الغبطة باهتمام الآخر به تجرفه ليصاب في النهاية بالغرور!؟. كل تلك التساؤلات زادتني اقتناعا بأن التمرد هو حل ناجع في الكثير من الأحيان، فنحن حين نتمرد.. نتخذ موقفا.. وحين نتخذ موقفا فنحن نكتب للآخر رسالة مفادها: «أننا نستحق تعاملا أفضل واهتماما أكبر! وبأن تغاضينا عن «قسوتكم» و«مزاجيتكم».. وتقديمنا لكل تلك التنازلات لمجرد منحكم الفرصة للاقتراب، لم يكن يوما ضعفا أو قلة حيلة.. بل حالة تمرد من نوع آخر..!.