عرف الإنسان النفاق على شكل مديح كاذب منذ القدم، وعبر العصور، وللعرب حظ في صناعته قديماً وحديثاً، وذلك من خلال القول المباشر ،والخطب المدبلجة، والشعر، والكتابة. وفي وقتنا الراهن برز المديح الكاذب كسمة ملتصقة بالبعض من العرب، حتى لكأن المتنبي قد أصبح مقلاً في المدح إذا ما قورن بالكثيرين من المداحين المتملقين. يقوم المنافق بوصف من ينافق له بأوصاف كلها ثناء وكمال وتعظيم وتبجيل، وقدرة عالية تفوق قدرة الآخرين على العطاء والأداء المبرز للأعمال. من هذا يأمل المنافق بما يقوم به من ثناء وإطراء كاذب إرضاء المنافق له لسبب من الأسباب، كرغبته في أن ينال منه الهبات والمساعدات، ولا يهمه إن كان ما يقوم به كذب وافتراء وخداع، طالما ذلك يحقق وينجز أعماله ويسيِّر أموره، مع أن كل ما يقوله نفاق .. أي كذب في كذب. وقد كذَّب الله المنافقين بالقرآن إذ قال تعالى: «إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون» (المنافقون: 1). لدى المنافق الاستعداد لامتهان نفسه ،وابتذال كرامته التي منحه إياها الله في قوله تعالى: «ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً» (الإسراء: 70). وقد لا يعلم المنافق أنه بمدحه الكاذب وتطبيله ومداهنته يضر بسمعة الممدوح أمام الناس، ويقلل من قيمته بنظرهم ،ويكرهه لهم، وبذلك يمثل خطرا وشرا عليه، وخيانة له، خاصة إذا ما نتج عن ذلك الإضرار بالغير، أو أدى إلى ظلمهم، أو تعطيل مصالحهم بشكل أو آخر. ولقد ورد في الحديث الشريف: «إذا رأيتم المادحين فأحثوا في وجوههم التراب». وينسجم مع هذا الحديث ما روي عن أن رجلا أثنى على رجل خيراً عند رسول الله، عليه الصلاة والسلام فقال: «لو كان صاحبك حاضراً فرضي الذي قلت فمات على ذلك دخل النار» كما روي قوله عليه الصلاة والسلام لمادح: «ويحك قصمت ظهره لو سمعك ما أفلح إلى يوم القيامة». وهو الذي عليه الصلاة والسلام قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ،فإنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله» (البخاري). لذلك يجدر بالمنافق له أن لا ينخدع بظاهر المدح ،بل يتفحصه ويدقق فيما يُقال عنه، مدحا ونفاقاً، وما يحتويه ذلك من سوء في الداخل، وما يضمره ويخفيه المنافق، لاتقائه وعدم الانخداع فيه. وفي هذا السياق يحسن الإشارة إلى أن رجلا كان يمدح ويثني على الإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه وكرم وجهه ،وعلي لا يظن الرجل صادقا فيما يقوله، فرد عليه الإمام علي قائلا: «أنا في نفسي أقل مما تقول ،ولكني فوق ما في نفسك»، وعندما نافق عبد الله بن سبأ بقوله للإمام علي: «إنك العلي العظيم»، قام علي وسحب سيفه ليقتله فتدخل أصحابه، فقال: «والله لو أعرف أن محمدا قتل منافقا لقتلته». حقيقة الأمر أن النفاق بكل أشكاله مرض وموجود في كل مجتمع، وله أسباب منها: الخوف والطمع ،ومنها تقبل البعض له، والمكافأة عليه.. إلخ. وعن كون النفاق مرضا فقد ذكر ذلك الدكتور هاشم بن عبد الله الصالح في مقاله: (متى يتحول المجتمع إلى النفاق)، المنشور بجريدة الاقتصادية (الجمعة 9/6/1429ه الموافق 13/6/2008م)، بقوله: «نحن نعرف أن النفاق مرض وقد يصاب الإنسان بفيروس النفاق أو البكتريا الحاملة لهذه الجرثومة الأخلاقية إما بسبب تربوي وإما نتيجة تشوه الظروف الأخلاقية التي عاشها ذلك الإنسان». خلاصة القول: أن المنافقين لا يعرفون طعماً للصدق ،يكذبون قولاً وعملاً ، ويبطنون السوء على غير ما يظهرون، وهم غير مخلصين لمن ينافقون، لذلك يمكن القول إن النفاق بمجمله رذيلة، ففيه هلاك المجتمع أي مجتمع وتدمير لحياة الإنسان فيه. (يتبع)