قال الله تعالى: (ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم) سورة محمد 30 ، أي فيما يبدو من كلامهم الدال على مقاصدهم، وقال تعالى: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) سورة التوبة 73. جاءت كلمة "منافق": من نافقاء اليربوع وهو حيوان مثل الفأر يسكن الصحراء يخادع من أراد به شرًا فيصنع لنفسه عدة أبواب في جحره فيدخل من باب ويخرج من آخر تاركا من يتربصه عند باب الدخول وكذلك المنافق يخادع. والمنافق يضمر الكفر ويظهر الإسلام أي أن ملكاته متعارضة بين لسانه وقلبه أما الكافر فملكاته منسجمة قلبا ولسانا فيعلن كفره صراحة، والذي ينافق هو الضعيف أما المنافق له فيكون هو القوي، لذلك ظهر النفاق في المدينة ولم يظهر بمكة لأن الإسلام في مكة كان في أيامه الأولى ولم تكتمل قواه، والنفاق أخطر من الكفر ويقدم الله النفاق على الكفر كما في قوله تعالى: (وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها) سورة التوبة 68 – فقدم المنافق عن الكافر لأنه عدو خفي متداخل – ويستهزئ الله بالمنافقين إذ يقول تعالى:(بشر المنافقين بأن لهم عذابًا أليمًا) سورة النساء 138، فجعل الله عذابهم ماديا، لأن المنافق إنسان مادي فاختار الله له العذاب الأليم حيث العذاب على ثلاثة أصناف عذاب مهين، وعذاب عظيم، وعذاب أليم. وقد حذرنا الله ورسوله منهم ففي الحديث القدسي: "لقد خلقت خلقاً ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر"، وقال النبي – صلى الله عليه وسلم: "أخوف ما أخاف على أمتي منافق عليم اللسان يجادل بالقرآن". إن المنافقين كما وصفهم القرآن الكريم إذا قاموا للصلاة قاموا كسالى، أي متثاقلين ليس لهم شوق ولا لهفة إليها ولكنهم يراءون الناس. وقد جعلهم الله في الدرك الأسفل من النار. فكما للجنة درجات للأعلى كذلك للنار درجات للأسفل. وللمنافق خصال: "إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان وإذا خاصم فجر وإذا عاهد غدر".. والمنافق عندما يمدح إنسانا آخر ليتملكه ويطيل فيه المديح فإنه يهجوه وفي ذلك يقول الشاعر: إذا امرؤ مدح امرءا لنواله وأطال فيه فقد أطال هجاءه فلو لم يقدر فيه بعد الملتقى عند الدلاء لما أطال رشاءه و"الرشاء" هو حبل الدلاء الذي فوق البئر، فكلما كان الماء بعيد المنال تزداد إطالة الحبل ليصل إليه، كذلك إذا لم يحصل المادح على مراده يظل يطيل المديح حتى يصل إلى مبتغاه. استدراك: لقد وقع خطأ في مقالي السابق وحزني أنه في آية من كتاب الله، ويعلم الله أنني لست سببًا في ذلك، وهو خطأ غير مقصود نسأل الله سبيل الرشد والصواب، ورحم الله من بصرنا بعيوبنا كما نسأله تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا). ولكم الشكر ومنا الاجتهاد.