حققت المملكة نصرا دبلوماسيا مشهودا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، عندما أقرت أغلبية واضحة مشروع القرار الرامي إلى إدانة المؤامرة الهادفة إلى اغتيال سفير المملكة في واشنطن عادل الجبير، وهو القرار الذي يدعو إلى التعاون بشأن سوق المتهمين بالمؤامرة إلى العدالة، سواء أكانوا مشاركين أو مخططين أو داعمين لتلك المحاولة، مع دعوة كل الدول الأعضاء عدم إيواء المتهمين بارتكاب أعمال مماثلة ضد المتمتعين بالحصانة الدبلوماسية. وتنم الجهود الدبلوماسية المنسقة لاستصدار قرارين متلازمين، الأول بخصوص مؤامرة الاغتيال والثاني لإدانة الإرهاب الموجه نحو الدبلوماسيين، عن واقعية في قراءة آليات اتخاذ القرار لدى المنظمات الدولية، فلو تحركت المملكة نحو مجلس الأمن رأسا مع علمها بالرفض المسبق لدول تتمتع بحق النقض، وتتحالف مع إيران كروسيا والصين أو هي غير مستعدة للتجاوب مع مشروع قرار الإدانة لكانت النتيجة معروفة سلفا ونوعا من الجهد الضائع، فيما الحصول على دعم الجمعية العامة وإن كان لا يترتب عليه أي عقوبات أو إجراءات الزامية، هو إنجاز معنوي لا غبار عليه، ما يندرج تحت سياق الضغط المتواصل على إيران وإحراجها أمام المجتمع الدولي، بل إثبات التهمة عليها بأغلبية الأصوات، رغم كل المحاولات الإيرانية المبذولة سابقا وراهنا للتملص من المسؤولية. ولو كانت الخطوة المذكورة ليست بذات قيمة ملموسة لما حاولت إيران بكل ما تملك من طاقة، لحذف اسمها من متن القرار، الذي يذكرها بالاسم باعتبارها مسؤولة حكما عن مؤامرة الاغتيال في واشنطن بعد اعتقال أحد المتورطين والحصول على أدلة وقرائن مادية لا يرقى إليها الشك. وفي نهاية المطاف سيبقى الملف في عهدة القضاء الأمريكي الذي يتابع التحقيق في هذه القضية الخطيرة، وسيصدر كما هو متوقع حكما معززا بالاعترافات والأدلة، الأمر الذي يزيد في حرج الموقف الإيراني الذي بات من لحظة الكشف عن المؤامرة، في موقع الدفاع عن النفس. مع ما ينتج عنه من إرباك وتعطيل لمسار دعائي كان يهدف لتلميع صورة إيران في المنطقة وبعض أرجاء العالم الثالث كدولة مناضلة ضد الإرهاب والاستعمار، وما إلى ذلك من عناوين براقة، فيما السياسات العملية التي تنتهجها، ولا سيما في السنوات العجاف التي بدأت مع اجتياح العراق عام 2003، لا تدل على احترام لخصوصيات الدول وشؤونها الداخلية، مع محاولات متكررة لفرض إيران نفسها كقوة إقليمية ذات حقوق في منطقة الخليج وما ورائها وصولا إلى ممارسة دور الوصاية على القضية المركزية للأمة العربية، إضافة إلى التلاعب بموازين القوى الدقيقة في لبنان المتعدد الطوائف. وهذه السياسات المرفوضة من حيث المبدأ من دول المنطقة، هي المسؤولة عن المواقف الصعبة التي تعاني منها إيران راهنا.