علاقتنا بالنسيان لا تخلو من الشد والجذب، فنحن تارة نحبه وتارة نكرهه، نركض منه حينا.. ولا نلبث أن نعود إليه باستماتة حينا آخر!. لن أتحدث عن النسيان من منطلق أنه نعمة أو نقمة، فأنا لست بصدد تصنيفه تحت مظلة معينة ولا أحبذ ذلك، لأن الله تعالى وبلا أدنى شك قد أوجده لحكمة تحمل الخير في جميع جوانبها، لكن ما دفعني لذكره هنا هو موقف وقع فيه الكثير منا وما زال يفعل!. فأذكر جيدا أن من ضمن تلك القواعد السلوكية التي تعلمناها في مدارس الحياة على اختلافها، أن من العيب وليس من الذوق في شيء نسيان أسماء الأشخاص الذين التقينا بهم مسبقا وحدث أن تجدد ذلك اللقاء!، فنسياننا هنا يوحي بعدم الاكتراث بهم أو تقديرهم والعكس صحيح، ومع أننا ندرك ذلك في أعماقنا ونحرص على ألا نقع فيه، إلا أن قطار الذاكرة لدينا قد يعلق في محطات النسيان رغما عنا ويتركنا نواجه الحرج مع أناس تربطنا بهم علاقات إنسانية جميلة. في المقابل، تعلمنا أن الإنسان القوي والسوي هو من يستطيع إبقاء قلبه نقيا، وينجح في حمايته من الأحقاد بنسيان الإساءة، أيا كان نوعها أو مصدرها، وأن إكسير السعادة وسر الصحة النفسية والروحية يختبئ خلف نسيان الهموم والأحزان والإخفاقات التي قدر لنا اختبارها، لذا ابتكرنا الكثير من السبل التي تساعدنا على نسيان ما نحن بحاجة لنسيانه، وفي ذات الوقت أشهرنا سيوفنا في وجه النسيان دفاعا عما نريد إبقاءه من ذكريات جميلة. أخيرا أقول.. لا أجمل من أن تكون أرواحنا عطرا يبقى شذاه متناثرا حيثما ذهبنا، فتلك الأرواح هي فقط من يسكن الجميع إليها، ولن يقوى النسيان على محو ذكراها التي حفرت في القلوب بما قدمته من خير وما اتصفت به من وداعة لم تكن أبدا وليدة الصدفة. وكما قيل السيرة الطيبة كشجرة الزيتون.. لا تنمو سريعا لكنها تعيش طويلا. * كاتبة وإعلامية [email protected]