الأمثال تحمل حزمة من المعاني وتختزل الكثير من القصص التي نتوارثها جيلا بعد جيل، فلا نلبث أن نشاهد أو نسمع عن موقف يذكرنا بهذا المثل أو ذاك. من بين سلسلة لا منتهية من الأمثال، علق بذهني مؤخراً المثل الشهير «إذا طاح الجمل كثرت سكاكينه»، وربما أن ما يصل إلى مسامعي من أخبار وما أقرؤه أو أشاهده على الشبكة العنكبوتية لم يمنحني فرصة نسيانه.. فهو حاضر في كل يوم وليلة! و«يا خوفي» من أن تتحول أحلامي الوردية إلى كوابيس أرى فيها جِمالا تطاردني وهي تمسك بكل تلك السكاكين التي غرست في بطونها بعد انزلاقها! الغريب في الأمر أن أولئك البواسل الذين ركضوا لطعن تلك الجمال المسكينة حين سقطت، لم يكن لهم أي وجود أو موقع على الخارطة، فهم ظهروا فجأة من العدم! ومع أن الأمر غريب ومحير إلا أن الأغرب أنهم ليسوا وحدهم، فهناك مجموعة تطوعت لمشاركتهم الطعن دون أسباب منطقية تذكر! فهي تطعن لأن غيرها يقوم بذلك.. فقط! حسن.. لو افترضنا أن تلك الجِمال استحقت الطعن لأنها تعدت على واحة غيرها الخضراء، فلم السكوت والانتظار والترقب حتى تزل قدمها؟ لم لم نمنعها مسبقاً أو نعاقبها مثلا؟ ولنفرض بأننا أخطأنا في تفسير مقاصدها وتبين ذلك بعد أن انتهينا من عملية التقطيع والتوزيع.. ما العمل حينها.. البكاء ندماً؟ هذا إن افترضنا وجود «الضمير»! أخيراً أقول.. لم تكن الشجاعة يوماً في انتظار سقطات الآخرين كي ننطق بالحق، ولا في استغلال لحظات الضعف لنثبت للآخر أننا الأقوى، الشجاعة هي في قهر تلك المخاوف والشكوك التي تختبئ في دواخلنا وتخلق منا قنافذ متربصة. الشجاعة هي في التوقف عن تجسيد الآخر كعدوٍ لنا، لا هم له في الحياة سوى الإيقاع بنا. نحن بحاجة لأن نتنفس الشجاعة، وإلا سينطبق علينا ما قاله المتنبي يوماً: وإذا ما خلا الجبان بأرض ... طلب الطعن وحده والنزالا. [email protected]