بسبب قلة عقلانية وشطط «رد الفعل» الأمريكي تجاه أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، على النحو الذي لخصناه في المقال السابق، منيت الحملة الأمريكية على ما يسمى ب «الإرهاب» عالميا بفشل ملموس، أو هي لم تحقق إلا نجاحا محدودا. كان هدف الحملة وما زال غير محدد الملامح، ويكتنفه غموض مقصود. أما «وسائل» هذه الحملة، فلم تكن ناجعة، في أكثر الظروف. كما أوشكت الأهداف غير المعلنة لرد الفعل ذاك أن تمنى بفشل ذريع، خاصة مع دخول روسيا والصين على خط المواجهة، بين أمريكا و«الأعداء» الجدد. ويرجع سبب هذا الفشل الاسترتيجي إلى: سياسة الإدارة اليمينية الأمريكية السابقة ذات الأهداف الإمبريالية، المتصهينة، التي تتبنى القضايا الصهيونية، وتقدمها على قضايا أمريكا، وما اتصفت به تلك الإدارة من: صلف وتطرف، ورعونة، مما سبقت الإشارة إليه. فإدارة بوش الابن استغلت تلك الأحداث لتنفيذ سياسات عدوانية مبيتة؛ سياسات مغرضة الأهداف، شنيعة الوسائل. **** ولعل أهم «مظاهر» هذا الفشل (النسبي) يمكن تلخيصها في ما يلي: 1) تصاعد أعمال العنف و«الإرهاب» بشكل غير مسبوق في أنحاء شتى من العالم. ومعظم هذا التصاعد يرد إلى سياسات عدوانية ظالمة معروفة، قبل أي أسباب مدعاة أخرى. 2 ) تذمر غالبية الشعب الأمريكي من سياسات إدارة بوش السابقة، خاصة حربها على العراق، ومطالبة نسبة كبيرة من هذا الشعب بإنهاء الاحتلال الأمريكي للعراق، وسحب القوات الأمريكية من هذا البلد. وقد زاد من هذا «التذمر» التدهور الاقتصادي الذي أخذت تعانيه أمريكا منذ تولي بوش مقاليد السلطة، يوم 20/1/2001م. فقد تسلم بوش الحكومة وفيها فائض في الميزانية (الفيدرالية) قدر بحوالى 600 بليون دولار، وسرعان ما حول ذلك الفائض إلى «عجز»، قدره البعض بحوالى 2 تريليون، وأدى ذلك في ما بعد إلى حدوث أسوأ أزمة مالية تشهدها أمريكا في تاريخها، بعد أزمة 1929م. 3) معارضة الدول الكبرى، وبعض حلفاء أمريكا للأسلوب الأمريكي في «مكافحة الإرهاب» ولغزو واحتلال العراق: وهذا تجلى في مواقف كل من: ألمانيا وفرنسا وبلجيكا، وغيرها من الدول الأوروبية، إضافة إلى: روسيا والصين، وغالبية دول العالم الأخرى. وقد انصب معظم النقد الدولي هذا على: إصرار أمريكا على احتلال وتدمير العراق، بمبررات مصطنعة، والهجمات العدوانية التي يروح آلاف المدنيين ضحية لها، إضافة إلى المعاملة غير الإنسانية لآلاف المعتقلين (ممن تشتبه أمريكا في انتمائهم لتنظيمات «إرهابية» على حد قول مسؤوليها) الذين قاسوا في المعتقلات والسجون الأمريكية كل صنوف التعذيب والإذلال، دون محاكمة، ودون حتى توجيه تهم لأغلبهم، كما كان الحال في معتقل (غوانتانامو)، وسجون: أبو غريب، والحديثة، والأنبار في العراق، وغيرها. كما أدى الأسلوب الامريكي في التعامل مع الأزمة إلى: تململ بعض حلفاء أمريكا الذين شاركوا معها في الحرب على العراق، وانسحابهم مما سمي ب «قوات التحالف الدولية»، ومن ذلك: بولندا، التي قال رئيسها بأن: «بوش قد خدعنا، وجعلنا نتورط معه في العراق». ومن ذلك أيضا: ما سمي ب «الصفعة الإسبانية» لبوش، والمتمثلة في: نتيجة الانتخابات النيابية الإسبانية، المنعقدة يوم 14/3/2004م، التي أسفرت عن إلحاق هزيمة مهينة بحزب الشعب، بزعامة «ماريا أزنار» (حليف بوش في حرب الأخير على العراق) وفوز حزب العمال الاشتراكي، بزعامة «خوسيه لويس زاباتيرو»، الذي أعلن أن: «الحرب على العراق كانت خطأ فادحا، وأن إدارة الاحتلال كانت كارثة...». ثم قام بسحب القوات الإسبانية من العراق بالفعل. **** 4) الرفض الشعبي العالمي الجارف لهذه السياسات: والمتمثل في نداءات ومظاهرات حاشدة، في معظم أرجاء العالم، لم يسبق لكثافتها مثيل، تندد بغزو واحتلال العراق، وتنادي بإسقاط بوش وسياساته. وقد بدأت هذه المظاهرات منذ أن تبين للعالم عزم «المحافظين الجدد» على الاعتداء على العراق، في نهاية عام 2002م، وتواصلت حتى مجيء أوباما إلى السلطة. 5) تصاعد المعارضة الأمريكية الداخلية لهذه السياسات (ابتداء من عام 2005م) بسبب ما جلبته على أمريكا من أضرار وكوارث، وما سببته من إساءة بالغة لسمعة أمريكا، في شتى بقاع الأرض: وقد بدأت غالبية الشعب الأمريكي تفيق من صدمة الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وعلى ما فعله المحافظون الجدد، كرد فعل (في منتهى الخبث) مستغلين هذه الأحداث، وزاد من هذه المعارضة الوضع الاقتصادي الأمريكي المتهالك، وتزايد نسبة البطالة بين الأمريكيين. وأظهرت استطلاعات الرأي العام الأمريكي الامتعاض الأمريكي المتزايد من بوش وإدارته، خاصة بعد استرجاع ما حدث أثناء انتخابه الأول (في فلوريدا) وانتخابه الثاني (في أوهايو). وأبدى كثيرون، داخل وخارج أمريكا، استغرابهم كيف صار هذا الرجل رئيسا لأمريكا، ولفترتين؟! واعتبر البعض ذلك الرئيس بأنه: أسوأ الرؤساء الأمريكيين، على الإطلاق. وأن ما قد شوهد له من «شعبية»، من حين لآخر، إنما هو نتيجة انفعال شعبي غوغائي مؤقت.. قال أحد الكتاب الأمريكيين عنه: «إن الصدفة جعلته رئيسا، جل اهتمامه هو نفط الشرق الأوسط، وإرضاء الصهيونية». وذلك هيأ لهزيمة المحافظين الجدد في انتخابات الرئاسة لعام 2008م. **** وكل ذلك أكد تعثر هذه السياسات، التي جاءت نتيجة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، كرد فعل أمريكي على هذه الأحداث. ولا توصف هذه السياسات بالفشل فقط، بل ويشار إلى أنها أيضا تمثل خطورة بالغة على الأمن والسلم الدوليين كما صرح كثير من زعماء العالم وحكمائه. والعجيب، أن إدارة بوش الابن كانت تزداد عنادا وصلفا ومكابرة، مع تزايد المعارضة (الأمريكية وغير الأمريكية) ضد سياساتها، وتدعي بأن ما يقومون به ضمن ما سمي بالحرب على الإرهاب هو عين الصواب.؟! وهذا ما جعل معظم العالم يتطلع وهو في حالة من الامتعاض والتعجب لليوم الذي تتغير فيه تلك السياسات. لذلك، ترقب الجميع أول ثلاثاء من نوفمبر 2008م، آملين أن يحمل التغيير المنشود، ليس عربيا وإسلاميا وحسب، بل عالميا. كما أن الشعب الأمريكي العظيم يستحق قيادة ذكية وصادقة ونزيهة، تخدم مصالحه الحقيقية. وجاءت إدارة أمريكية جديدة «ديمقراطية» برئاسة باراك أوباما. وبدأت تحدث تغييرات طفيفة في السياسات الأمريكية في هذا الشأن. ولكن، وبعد مرور حوالي ثلاث سنوات على مجيء أوباما لم نشهد تغييرا يذكر في التوجه الأمريكي تجاه منطقة الشرق الأوسط، رغم وعود أوباما السابقة بالتغيير الإيجابي، بل إننا نلاحظ الآن بالذات (2011م) استمرارا للسياسات الأمريكية التقليدية المكروهة عربيا نحو المنطقة العربية. ونرى الإدارة الأمريكية الحالية منشغلة أكثر في الشأن الداخلي الأمريكي، خاصة في إنقاذ أمريكا من إفلاس وشيك تسببت الإدارة السابقة لإدارة أوباما في جعله كابوسا ماثلا ومحتملا. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 121 مسافة ثم الرسالة