أخيراً فاز المرشَّح الأسود برئاسة البيت الأبيض وبدأت الأسئلة في عالم يقف على قدم واحدة حين تكون الانتخابات الأمريكية عناوين الكلام.. وهاجس الحرب والسلام وأشياء أخرى.. الملفات العالقة التي سيتركها بوش هي بمثابة الإرث الثقيل الذي لن يتم معالجة أوراقه بسهولة.. مفهوم الحرب على الإرهاب الذي انحرف من خلال رؤية بوش إلى حرب عشوائية على الأخضر واليابس .. إلى الحد الذي لم يعد هناك تمييز بين فئة القاعدة والأخرى الواقفة حيث اتبع بوش سياسة "تقعيد"العالم بمواصفات خاصة حين سمَّى الكثير من الدول بمحور الشر وأخرى براعية الإرهاب.. وغيرها بمناوئة للديموقراطية .. وأخرى تشكل خطراً على إسرائيل .. إلى غير ذلك من الأسماء التي عصفت بالديموقراطية الأمريكية المزعومة إلى حيث الدولة القاتلة بد م بارد.. والغازية.. وسارقة الثروات. وإذا كانت الأزمة الاقتصادية قد عكست سوء سياسة بوش فإن الحرب في كل من افغانستان والعراق كانت منطلقاً لهذه الأزمة بعد أن قرر الرئيس قيام حملة عسكرية في حجم يفوق قدرة الميزانية الأمريكية المالية بعد أن كانت الخزينة في وضع جيد ومليء قبل قرار الغزو.. ويمكن القول : إن بوش لم يعمل منذ فترة رئاسته الأولى والثانية سوى التركيز على السياسة الخارجية التي لم تكن لخير أمريكا ولا للشعوب التي رفع لها شعار الديموقراطية وأغرقها في الدماء. واليوم وعلى خارطة الأحداث بدأت ردود الفعل ضد مرحلة "كابوي الحرب" بوش.. فقد ظهر الرئيس الأفغاني حميد كرزاي وللمرة الأولى ليطالب الرئيس الجديد بإيقاف الحرب على بلاده ويرفض زيادة القوات العسكرية واخراجها من المدن. ايضا خرج العراقيون مواطنين ومسؤولين ليقولوا كلمتهم في مواجهة الحرب والدمار. كما أن "عقدة ألسنة" السياسيين انحلت للنطق بالكلام بعد الخروج من دائرة الخوف. لكن هل تتغير خارطة السياسة في البيت الأبيض من خلال الرئيس الأسود؟ وإلى أين ومتى؟ اعتقد ان عمل الرئيس الجديد سيواجه مرحلة هامة في الداخل عنوانها النظرة العنصرية التي تحتاج الى فترة من الزمن للقبول بأول شخصية من هذا النوع وهذا اللون تحكم دولة بهذا الحجم. خاصة ان التاريخ الأمريكي مليء بالاحداث التي صاحبتها الاغتيالات المتبادلة حتى في المناصب الصغيرة وشوارع الجريمة في بلد يجمع كل الديانات والألوان والعرقيات غير ان العالم الخارجي ينظر الى ثقافة التغيير التي يريدها المجتمع الدولي وهو تغيير اساسه الأمن والسلام ولقمة العيش من خلال توفير صناعة الغذاء ومواجهة التهديد بالمجاعة في ظل الأزمات الاقتصادية الخانقة التي تنتقل من مكان الى آخر وهي الأزمة التي لا يمكن ان يسلم منها احد في ظل السياسات المالية والعسكرية التي لا شك ان امريكا تتحمل الجزء الأكبر منها او بمعنى اوضح هي منبع ومنطلق الازمات التي تلقي بظلالها على العالم. لكن هل يستطيع الرئيس الامريكي الجديد ان يحقق إصلاحات عسكرية وسياسية واقتصادية بالشكل الذي "يتعشم" العالم في ان يحققه باراك اوباما. بطبيعة الحال سيكون من الصعب ذلك على الأقل قبل سنوات تزيد على منتصف المدة في ادارة البيت الأبيض. على أنه لابد من القول إن الرئيس الأمريكي دائماً يبدأ في السنتين الأوليين في التعرف على الخارطة السياسية ودراسة الملفات المطروحة وترتيب البيت الأبيض بمواصفاته الخاصة.ثم يبدأ السنتين الأخيرتين في التحضير لانتخابات الترشح لفترة رئاسة ثانية.. هذا بالإضافة إلى أن معظم قرارات الرئيس الأمريكي لا يمكن أن تكون أحادية الجانب طبقاً للدستور الأمريكي الذي يحرم الرئيس من اتخاذ قرار يخرج عن نطاق الأمن القومي المحدد في صلاحياته. وما غير ذلك فإنه يخضع إلى مجلس الشيوخ والنواب ويمكن قبوله أو رفضه. وفي هذه المجالس تمثيل جمهوري وديموقراطي تتقاطع فيه وجهات النظر ومصالح حزبية لن تخلو في المرحلة القادمة من الجوانب العرقية ومحاولة الانتصار للهزيمة من مواقع متعددة في الدوائر الأمريكية. إلاّ أنني أعود وأقول شيئاً مهماً في هذا الجانب وهو أن التفاؤل الذي يحصده أوباما كرئيس جديد لأمريكا ليس أكثر من ردة فعل لحالتين: الأولى كونه ينحدر من أسرة فقيرة ومن لون آخر، والثانية لشدة غضب المجتمع الأمريكي والدولي على سياسات الرئيس جورج بوش والاقتصاص منه ومن الحزب الجمهوري.وهذا لا يعني قناعة تامة بأن أوباما جدير بقيادة بلد في حجم الولاياتالمتحدةالأمريكية. لكنها هكذا جاءت.. مصيبة قوم عند قوم!!