في طريقي لمجمع الفقه الإسلامي الدولي برفقة زميلي المصور طارق محمود، لإجراء حوار مع أمينه العام الجديد البروفيسور أحمد خالد بابكر، لم أضع أي سؤال أمامي خاصة أن ترتيب اللقاء جاء سريعا وفي وقت ضيق قبل سفره اليوم إلى الخرطوم لتكملة إجراءات التعيين ومن ثم العودة لمباشرة مهاته الجديدة. ومع أول حوار لصحيفة عربية بعد تعيينه أمينا عاما لمجمع الفقه الإسلامي، فإن البروفيسور بابكر في بداية اللقاء أراد أن يعبر عن امتنانه للمملكة على ما تقدمه من أعمال خدمة لأبناء الأمة الإسلامية، وما يقدمه خادم الحرمين الشريفين خاصة للمجمع حيث دعا إلى تطويره ليكون جهازا يستحق التسمية (مجمع الفقه الإسلامي الدولي)، موضحا «سنتحرك لمتابعة توجيهات الملك عبد الله للنهوض بدور المجمع». حاولت في هذا اللقاء أن ألملم أسئلتي غير المعدة مسبقا، بالتركيز على الجوانب المتعلقة بمجمع الفقه الإسلامي خاصة والمجامع الفقهية بشكل عام، ولولا كثرة الداخلين والخارجين من مكتب الأمين العام الجديد لتهنئته بالمنصب لكنت مكثت معه فترة أطول، لما وجدت فيه من أريحية العلماء وفكر أصحاب الرأي السديد.. وفيما يلي الحوار: • بداية، ما قصة تكليفكم لهذا المنصب الرفيع؟. قبل عام ونصف أبلغت أنني مرشح أمينا عاما للمجمع خلفا لأخي الدكتور عبدالسلام العبادي الذي تم تعيينه حينذاك وزيرا للشؤون والمقدسات الإسلامية في الأردن، وقد طلب مني أن أدفع بالسيرة الذاتية الخاصة بي إلى وزارة الخارجية في السودان، ثم بعد فترة طلب مني أيضا بعض الإفادات وأرسلتها، ولم أكن متابعا ما يجري من إجراءات التعيين، وظل الأمر يسير في طريقه بين وزارة الخارجية في السودان ومنظمة التعاون الإسلامي إلى أن أبلغت بتولي هذه المهمة ومن ثم علي الحضور لمقابلة الأمين العام للمنظمة البروفيسور إحسان الدين أوغلي، الذي التقيته في مايو الماضي ثم عدت إلى السودان إلى أن جاء التكليف بالصورة الرسمية، وبدأت في مهام عملي الاثنين الماضي الأول من رمضان الجاري، وسأعود الجمعة (اليوم) إلى الخرطوم لإكمال إجراءات التعيين، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقني في خدمة الأمة والفقه الإسلامي من خلال هذا المنصب، فهي مسؤولية كبيرة وأملي أن يوفقني الله فيها. وعلى كل حال، فإن كل أمر يكلف به الإنسان يسعى لكي يؤديه على الوجه الأكمل، تبرئة لذمته وخدمة للغاية التي كلف من أجلها لهذه المهمة، وما من إنسان تولى عملا إلا وأصبح يحمل أمانة هو مسؤول عنها أمام الله سبحانه وتعالى، ومن أخذ أجرا حاسبه الله على العمل، ولا تبرأ منه الذمة إلا إذا أداه على الوجه الأكمل، ولذلك لا بد من تلمس كل القضايا التي تعين على إحسان هذا الأداء. ملجأ ومأوى • كعضو في المجمع وأمين عام له.. كيف تنظرون لدور المجمع في خدمة الأمة؟. ما أراه أن المجمع مظلة لكافة أبناء الأمة في أنحاء العالم، وما من مسلم إلا وهو ينظر لهذه المؤسسة أنها الملجأ الذي يأوي إليه إذا حزبه أمر أو طرأ في ذهنه استفتاء يريد رأي الشرع فيه، صحيح أنه ما من دولة إلا ويوجد فيها مجمع فقهي يتعامل مع قضايا أهلها حسب النظم المتبعة في المجامع الفقهية الإقليمية. وعلى العموم، وما من جهة يطلب منها أن تبين حكم الشرع في أمر من الأمور إلا وينبغي عليها تبرئة ذمتها بتلمس كل الطرق للإجابة على التساؤل المطروح بتوضيح حكم الشرع الذي يريده الناس. • وهل من الضرورة أن تتعدد المجامع الفقهية؟. تعدد المجامع أمر ضروري وخاصة المحلية منها، وما من دولة إلا ويقتضي واقعها وجود مجمع محلي، وما من بلد إلا وفيه علماء، ولا يمكن أن تنتظر أن يأتيه إجابة على فتاوى مجتمعه من خارجه. تكملة البنية • دعني أسألك، ما هي خطواتكم المقبلة لمسيرة المجمع كأمين عام له؟. ما أسعى إليه هو تكملة بنيته الأساسية ليؤدي واجبه على الوجه الأكمل، وثقتي كبيرة في الله عز وجل، ثم في إخواننا من الأعضاء والخبراء ومنسوبي المجمع للنهوض به، خاصة أنه يتمتع برعاية من المملكة العربية السعودية ومن خادم الحرمين الشريفين شخصيا، ويحظى بمتابعة وإشراف من قبل منظمة التعاون الإسلامي وأمينها العام البروفيسور إحسان الدين أوغلي، وحتى الدول الأعضاء في المنظمة الذين لهم ممثلون في المجمع ستكون لنا عونا في تأدية مهامه، وهذه الجهود بتكاملها ستعيننا بإذن الله على أداء مهامه على الوجه الأكمل. • وكيف تنظرون لدعوة خادم الحرمين الشريفين لتطوير المجمع؟ هذا يدل على أن خادم الحرمين الشريفين يريد أن يكون هذا الجهاز مستحقا للتسمية (مجمع الفقه الإسلامي الدولي)، وليؤدي المهام التي من أجلها أنشئ، وسوف نتحرك ونتابع تلك التوجيهات من خادم الحرمين الشريفين للنهوض بدور المجمع والقيام بواجبه، ولا شك في أن رعايته للمجمع وتوجيهه للقائمين عليه سيجعلانه ينهض بمهامه، وهو ما نسعى له جمعيا. أصابع الحل • في نظرك كأمين عام جديد للمجمع، ما الهموم التي يحملها في الفترة المقبلة في ظل القضايا والمشكلات التي تعانيها الأمة في الوقت الراهن؟. المجمع ينبغي أن يكون صاحب هم لكل قضايا الإسلام والمسلمين، من البناء التكويني للأمة إلى معالجة المشكلات التي تنشأ فيها، ومن المفروض عليه أن يكون موصولا على الدوام بهذه القضايا، وتكون عينه على كل دولة، ماذا فيها؟ وما الذي تحتاجه من أجل علاج مشكلات قائمة فيها؟ وما هو العون الذي يجب أن يقدم لها من أجل أن تتجاوز ما فيها من مشكلات؟. هذه القضايا ينبغي أن تكون هي هموم مجمع الفقه الإسلامي، وخاصة بعد التسمية الجديدة لمنظمة التعاون الإسلامي فإنه من المفروض أن تتحقق هذه القضايا تماما، بمعنى وجود تعاون إسلامي يرعى قضايا الأمة الإسلامية، وما تملكه الأمة من قوة مادية ومعنوية وبشرية يمكنها به أن تحل قضاياها بنفسها وداخل بيتها، والمنظمات الإسلامية مثل منظمة التعاون الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي والمجامع الفقيهة هي الأصابع التي تتلمس بها الطرق التي تحل بها هذه القضايا. نحتاج لميزانية • مع تجدد مشكلات الأمة إلا أن دورات المجمع مازالت متباعدة.. ما سبب ذلك؟ بالفعل هي متباعدة، لكن الإشكال في أن هذه الدورات مستضافة من قبل الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، ولو كان للمجمع ميزانية تمكنه من إقامة دوراته على نفقته لكانت على الأكثر نصف سنوية، وطالما أنها مستضافة في الدول فإن على تلك الدول أن تتنافس على استضافة هذه الدورات وتقارب بينها حتى يكون المجمع موصولا بهذه القضايا. • ولكننا لم نجد أن دورات المجامع الفقهية تهتم بدراسة فقه الواقع دون فقه التوقع؟. المجامع ليست مؤسسات للتخطيط السياسي، وإنما هي لعلاج المشكلات التي تنشأ، ومع ذلك فإنها تضع الخطط للمسار الذي لا ينبغي أن يتجاوز عن أحكام الشريعة. وما من قضية تنشأ أو يتوقع نشوؤها أو مسار يخالف الشرع فإن المجامع الفقهية توضح فيهما الحكم الشرعي، والنظم الأساسية والقوانين لهذه المجامع تجعلها تمضي لحل المشكلات التي تواجه الفرد والمجتمع، وتجيب على الاستفتاءات التي تعين على بيان أحكام الشرع فيها. ملتقى المجامع • لماذا لا نرى ملتقى سنويا للأمناء العامين للمجامع الفقهية للتعاون والتشاور؟ نأمل أن يتم هذا، وفيما يبدو لي أن الجهد الذي بذل في مجمع الفقه الإسلامي الدولي في فترة سابقة فيه إشارات لهذا النوع من التعاون، وسنسعى للمضي على هذا النهج ليبقى الترابط بين المجامع، ومع أنه لا يوجد في صورة رسمية لكن الاستفادة والاستعانة قائمتان بما يصدر عن المجامع الأخرى من قرارات.. ومن جانب آخر، هناك فقهاء لهم عضوية مشتركة في مجمعين أو ثلاثة في آن واحد، فتجد أن بعضهم عضو في مجمع الفقه الإسلامي في منظمة التعاون الإسلامي وعضو في الوقت نفسه في المجمع الفقهي في رابطة العالم الإسلامي، وهذا التكرار في التمثيل يزيد من الاستفادة من الخبرات والتجارب.