اتفق عالمان على ضرورة إعادة النظر في واقع المجامع الفقهية، مطالبين بتطويرها وتلافي سلبياتها والتنسيق فيما بينها وذلك لمصلحة الأمة الإسلامية، مؤكدين أن المجامع الفقهية تعاني من الترهل والبيروقراطية وضعف المخرجات. وقال الأستاذ المشارك في قسم الفقه في كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الخبير في المجمع الفقهي الدكتور سعد بن تركي الخثلان «توحيد جهود المجامع الفقهية مطلب ملح، فإن المجامع الفقهية تمثل الاجتهاد الجماعي في الأمة الإسلامية بأرقى صوره، ولا بد أن يكون هناك تنسيق بين هذه المجامع حتى لا يكون هناك تضارب في القرارات الصادرة عنها وحتى لا يكون هناك تكرار لبحث مسائل ونوازل مما يترتب عليه هدر للجهود التي كان بالإمكان صرفها لبحث مسائل أخرى». واتفق نائب رئيس مجمع الفقه الإسلامي الدولي في جدة الدكتور قطب مصطفى سانو مع رأي الخثلان، مؤكدا وجود ضرورة واقعية ومصلحة زمنية في توحيد جهود المجامع الفقهية المتزايدة تجنبا لإرهاق المسلم العادي بتلك الاجتهادات والفتاوى المتناقضة والمتعارضة في المسألة الواحدة، وابتعادا عن تبذير الجهود والأموال في أنشطة هذه المجامع المتزايدة». وأضاف سانو «ليس من الحكمة ولا من الرشد في شيء أن يتصدى أكثر من مجمع فقهي في آنٍ واحد لقضية فقهية واحدة، فيصدر كل مجمع حكما يختلف عن الآخر! وقد كان حريا بهذه المجامع أن تنسق بين جهودها، وتحدد أولوياتها، ومجالات تركيزها وعملها، فما أضر بالعمل الإسلامي شيء أكثر من التنافس المحموم، والتوسع غير المدروس في تأسيس المؤسسات والمراكز والمجامع التي تزيد الصف الإسلامي تمزقا وتفرقا». ويؤكد سانو أنه لا محظور في أن تكون هنالك مجامع فقهية متعددة شريطة أن تكون متعاونة ومتكاملة وأن يكون بينها تنسيق واضح على مستوى الموضوعات والقضايا التي يطرحونها للنقاش والتداول والتباحث، مشددا على ضرورة أن يكون هنالك ضبط محكم للمجالات التي يتخصص فيها كل مجمع، فليس من الحصافة في هذه المرحلة التوسع في إنشاء المجامع التي تزيد مساحات الخلاف والشقاق بين الشعوب الإسلامية من خلال الفتاوى التي تصدرها هذه المجامع المتنافسة، والمختلفة في تركيباتها، وتوجهاتها، واهتماماتها. وتساءل سانو عن الجدوى وراء إعادة طرح تلك المجامع موضوعات سبق لبعضها أن أوسعها في جانب الدراسة والتحقيق والتحرير، فلماذا تصرف الأموال الطائلة في الإعداد المتجدد لمناقشة تلك الموضوعات السابقة؟ مشيرا إلى أن الساحة الإسلامية تعج بمستجدات ونوازل تنتظر أجوبة فقهية مجمعية سريعة. وحول رؤية الدكتور سعد لكثرة المجامع الفقهية من قلتها قال «المجامع الفقهية ليست كثيرة، وأبرز المجامع الفقهية مجمعان: مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي، والثاني مجمع الفقهي الإسلامي الدولي المنبثق من منظمة التعاون الإسلامي فهذه المجامع عالمية تضم نخبة من فقهاء المسلمين في جميع الأقطار، أما ما عداها فهي إما إقليمية كمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا الشمالية أو محلية كالمجمع الفقهي في السودان، والأمة الإسلامية التي يزيد عددها على المليار و200 مليون بحاجة إلى المزيد من المجامع الفقهية والمؤسسات العلمية». بيد أن الدكتور قطب سانو خالف رأي الخثلان عندما قال «لا نرى حاجة ضرورية إلى هذا الكم المتكاثر من المجامع الفقهية لأنه لا يعدو أن يكون تبذيرا للجهود والطاقات والأموال»، معتبرا تعدد المجامع الفقهية تعميقا لمساحات الخلاف والنزاع، فضلا عن أنه أضحى اليوم مدعاة إلى السخرية والتهكم لما تشهده الساحة من تناقضات في الفتاوى والاجتهادات الصادرة عن هذه المجامع المتزايدة.