ألبسوه جاكيتا من الجراثيم والميكروبات وراح مزهوا بلباسه، اشتراه ببضعة ريالات وما درى أنه اشترى جملة من الأمراض، وإن كان ضيق ذات اليد اضطر بعض الناس لشراء الملابس المستعملة، فكيف تصمت الجهات ذات العلاقة عن هكذا نشاط، أولا بالكذب على الناس في الحصول عليها، وإيهامهم بفضل الصدقات ثم بيع تلك الملابس في الأسواق، وثانيا بالكذب على الناس في بيعها على أنها آمنة وخالية من الأمراض، بحكم غسيلها بالبخار والترويج لذلك. في البداية والنهاية لم يجبر أولئك التجار الناس على شراء ملابسهم الموبوءة، لكنهم استغلوا حاجتهم في الترويج لبضائعهم المسمومة، والعجيب أن الجهات المسؤولة لم تحرك ساكنا ضد هذا النشاط، رغم ممارسة البيع والشراء على مرأى من الجميع وفي الأسواق العامة. يحتضن سوق الصواريخ جنوبي جدة النشاط الأكبر من نوعه في هذا المجال، ولم يكتف باعة هذا النوع من الملابس بسوء بضاعتهم فحسب، بل راحوا يعرضونها وسط بيئة ملوثة أشد وأقسى، حيث يعمدون إلى تكويمها فوق بعضها البعض على الأرصفة وفي الشوارع، لتزيد نسبة السمية فيها أكثر مما هي عليه. ومن الواضح أن معظم زبائن هذا النوع من الملابس هم من العمال الأجانب، إما لضعف مداخيلهم أو رغبة منهم في توفير القليل من المال، مقابل دفع الثمن غاليا من صحتهم. نور الحق عبدالرحمن (بنجلاديشي) يبيع الملابس المستعملة في سوق الصواريخ، قال «دأبنا على شراء الملابس المستعملة من الأفريقيات اللاتي يجلبنها بأكثر من طريقة، من بينها التسول والمرور على المنازل للحصول عليها، ونحن نشتريها منهن بسعر الكيلو، ومن ثم نغسلها ونعيد فرزها ونعرضها للبيع في السوق». ناظم رسول (باكستاني) كان يشتري بعض الملابس المستعملة في سوق الصواريخ يقول «أنا عامل بناء وأتقاضى أجرا لا يتجاوز ال1100 ريال شهريا، وعملي كبناء يتلف الملابس بسرعة كبيرة، ومن الصعب أن أشتري ملابس جديدة في كل مرة، لذا أعمد إلى شراء الملابس المستعملة لاستخدامها في العمل، كون قيمتها رخيصة مقارنة بتلك الجديدة». استشاري أمراض الجلدية الدكتور طارق المنياوي قال إنه من السهولة انتقال الأمراض الجلدية من شخص إلى آخر عن طريق ارتداء ذات الملابس، مؤكدا أن معظم الميكروبات لا يمكن القضاء عليها عن طريق الغسيل حتى وإن كان عن طريق البخار، ناصحا من يستخدمون الملابس المستعملة بعدم ارتدائها، حتى وإن كان في ذلك توفير للمال، لأن الصحة لا تقدر بثمن، مشددا على أن من حالفه الحظ ولم يصب بأي أمراض بسبب ارتداء الملابس المستعملة، لا بد وأن يصاب بها يوما من الأيام، خصوصا وأن العدوى قد لا تكون من ذات الشخص الذي كان يرتدي القطعة، ولكن قد تكون انتقلت إليها من خلال غسلها مع بعضها البعض، أو من خلال طريقة عرضها العشوائية.