تملكتني الحيرة وأنا أشاهد أكواما من الملابس المستعملة معروضة للبيع في سوق الصواريخ أحد الأسواق المشهورة في جدة، وقادني الفضول الصحافي إلى معرفة أسرار هذه الأكوام من الملابس القديمة التي تبيعها النساء الأفريقيات وعمالة أخرى بعيدا عن أعين الرقابة. في البداية، سألت سعدية (بائعة ملابس مستعملة) عن مصدر هذه الملابس، فقالت: هذه الملابس نحصل عليها من خلال مصادر عديدة أهمها أشخاص يستوردونها من الخارج بأسعار زهيدة كبضاعة مستوردة ويقومون ببيعها على شرائح مختلفة من البسطات المتخصصة في بيع الملابس المستعملة فيكون لنا نصيب منها، ومصدر آخر وهو تبرع بعض الأسر ببعض الملابس التي لا تحتاجها فننظفها بطريقتنا ونبيعها من جديد بأسعار زهيدة جدا تبدأ من خمسة ريالات وتنتهي إلى 20 35 ريالا إذا كانت الملابس في حالة جيدة، ولا أخفي إن قلت إن معظم هذه الملابس تكون في حالة جيدة وصالحة للاستخدام. أضافت سعدية «الإقبال على هذه الملابس مقبول، وخصوصا من الجالية الأفريقية الذين ليس لهم مصدر رزق والمساكين والفقراء، كما أن الجنسيات الأخرى لها تواجدها وحضورها في سوقنا الشعبية، ويزداد الإقبال أكثر في رمضان وعند قرب حلول العيد». سألت سعدية عن الأمراض التي قد تحتضنها هذه الملابس فردت مبتسمة «الذي أعرفه أن ملابسنا نظيفة، وبإمكان أي شخص ارتداؤها في أي وقت، ولم أسمع عن أي أمراض قد أصيب بها شخص جراء ارتداء الملابس القديمة». غير ممزقة ولم يختلف الحال عند البائعات الأفريقيات رقية وحليمة وسلوى اللواتي تخصصن في بيع الملابس المستعملة، فقلن: نبيع الملابس المستعملة التي نحصل عليها من تجار الجملة للملابس المستعملة وتبرعات الأهالي أو المساجد أو أهل الخير فنعيد بيعها بأسعار معقولة في متناول اليد، ونلمس إقبالا كبيرا من مختلف الجاليات، ولا سيما أن هذه الملابس في حالة جيدة وبالإمكان إعادة استعمالها. وحول سؤالي عن إمكانية تعرض هذه الملابس للتلوث، خصوصا أنها تباع على الأرصفة مكشوفة أجبن «لا نعتقد أنها تتعرض للتلوث، فنحن نضعها في أماكن جيدة، والأهم في كل ذلك أنها جيدة وغير ممزقة، ولا أعتقد أنها تنقل الأمراض». ضربة حظ وفي سياق متصل، يقول كل من آدم محمد، سعيد ياجي، وقاسم راسلي: تخصصنا في هذه المهنة منذ سنوات، والإقبال على الملابس المستعملة متفاوت، وتكون سوقنا رائجة أكثر في رمضان والعيد لأن أسعارنا زهيدة. وأضافوا «الملابس النظيفة جدا نغلفها في نايلون ونبيعها بأسعار في متناول اليد، ونحن نفاوض المشترين في حالة عدم إقتناعهم بالسعر». جرب وفطريات وبعد حصيلة آراء بائعات الملابس المستخدمة، يتطرق الأطباء المختصون إلى الأمراض التي قد يتعرض لها الفرد إزاء ارتداء الملابس الملوثة بالميكروبات:- كائنات دقيقة ويرى استشاري الجلدية الدكتور محمد عبدالعزيز، أن بيع الملابس المستعملة بطريقة مكشوفة يعرضها بلاشك لكثير من أنواع التلوث والميكروبات، بالإضافة إلى احتضانها إلى حشرات دقيقة جدا قد تتوالد نتيجة عوامل الطقس، خصوصا أن أجواء جدة في الفترة ما بعد العصر قد تصبح رطبة، وبالتالي قد تصبح هذه الملابس رطبة محتوية على حشرات وكائنات دقيقة لا ترى بالعين. وأشار الدكتور عبدالعزيز إلى أن الفرد يبادر بعد هذه الملابس بارتدائها دون إدراك منه بخطورة ذلك، ولا سيما أنه لم يعد غسلها وتنشيفها في الشمس، ويشعر بعد ذلك بحكة جلدية في كل أنحاء جسده، والخطورة تكمن أكثر في الملابس الداخلية التي قد تسبب الإصابة بالفطريات، أما الجرب فهو أخطر أنواع المرض الذي قد يتعرض إليه الشخص في حالة ارتداء الملابس الملوثة. وألمح إلى أن طفيل الجرب قد يصيب الإنسان عن طريق الملابس الملوثة وأغطية الأسرة، وتبدأ الأعراض في الظهور بعد الإصابة بالعدوى بفترة تتراوح بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع بحكة تزداد شدتها في المساء خاصة قبل النوم وعند الاستيقاظ، ويرجع ذلك إلى أن طفيل الجرب ينشط بالدفء، وتزداد شدة الحكة مع طول فترة المرض، وتظهر حبيبات حمراء صغيرة في أماكن مميزة، وهي البطن (حول السر والجانبين) وبين الأصابع والإبطين والفخذين والأعضاء التناسلية، وقد تؤدي شدة الحكة وإهمال العلاج إلى ظهور مضاعفات مثل التقيحات والتهاب الجلد. الغسل قبل الارتداء الدكتور عبدالعزيز دعا الأشخاص الذين يبادرون بشراء الملابس المستعملة بضرورة غسلها قبل الارتداء ضمانا لعدم احتوائها على رطوبة وكائنات دقيقة، مؤكدا أن الوعي الصحي كفيل بعدم التعرض للأمراض الجلدية التي قد تنتقل جراء ارتداء الملابس المستعملة. حكة وهرش ورأى استشاري الفيروسات الدكتور أيمن سعيد أن الملابس المستعملة غالبا ما تكون مصنوعة من خامات رديئة تسبب أنواعا عديدة من الحساسية بجانب قدرتها على نقل الأمراض الأخرى بسهولة عند الآخرين وخصوصا الأطفال، ولاسيما أن الطبقة الجلدية للإنسان حساسة بطبيعتها، وبالتالي تمتلك قدرة كبيرة في الإصابة بالفطريات والفيروسات وغير ذلك من الأمراض الجلدية. وبين الدكتور سعيد أن أبرز الأمراض التي تنتقل بواسطة الملابس الملوثة مرض الجرب الذي تسببه حشرة الجرب وتؤدي إلى حكة وهرش شديدين، كما أن الأخاديد التي تحفرها الإناث تظهر على شكل خطوط داكنة متموجة فوق الجلد تنتهي بنتوء صغير مستدير، وغالبا ما يظهر طفح على كل من جانبي الجسم من النتوءات الحمراء دقيقة الحجم التي تشبه لدغات الحشرات حول الأخاديد. العدوى الأولى ويستطرد الدكتور سعيد أن الحكة الشديدة هي أبرز أعراض مرض الجرب خصوصا أثناء الليل وهي ناتجة عن تفاعل مع الإفرازات الإخراجية للحشرة ونتيجة لذلك، قد تمضي العدوى الأولى دون أن تلاحظ لمدة شهر أو أكثر، ويستمر الهرش لأسابيع بعد التخلص من قملة الجرب، كما أن الهرش يعتبر واحدا من أفضل الأساليب الدفاعية للجسم ضد الجرب لأنها لا تستطيع العيش خارج أخاديدها، وقد يتسبب الهرش في تقشر النتوءات، فيشبه بذلك الصدفية، وكل ذلك يستوجب العلاج الطبي. الوعي الصحي ويأخذ استشاري الفيروسات الدكتور حسين عبدالرحيم جانبا آخر من القضية فيقول: ظاهرة بيع الملابس المستعملة هي ظاهرة عالمية بدأت تنتشر بشكل لافت للنظر وخصوصا في الدول النامية، ولها إقبال كبير من مختلف شرائح المجتمعات وخصوصا أصحاب الدخل المحدود أو الفقراء، ولكن المشكلة الحقيقية التي قد تحدث في غياب الوعي الصحي أو ارتداء الملابس المستعملة التي تعرضت للتلوث أو لم يتم غسلها قبل الارتداء، حيث إن هناك أمراضا جلدية مثل الجرب والتينيا والحساسية وغيرها قد تنتقل إلى الشخص السليم عبر العدوى. وخلص الدكتور عبدالرحيم إلى القول «ارتداء الملابس المستخدمة ممكن ولكن يجب غسلها جيدا، فكم من الحالات وللأسف الشديد تعرضت لأمراض خطيرة وخصوصا عقب ارتدائها الملابس الداخلية، وكنصيحة عامة يفضل غسل الملابس الجديدة مهما كانت حالتها سواء كان غسيل بخار أو عادي تفاديا للتعرض لأي نوع من الحكة الجلدية أو الفيروسات الممرضة».