لم تكن قاعدة «إذا هبت رياحك فاغتنمها» حاضرة في تجربة نجم شاعر المليون الشاعر فهد الشهراني في مرحلته الماضية، ولكنها ستكون سيدة الموقف في مرحلته المقبلة، بعد أن عجز شعره وشهرته وعلاقاته وشهادته الجامعية، أن يجد وظيفة له ليقع فريسة بين مخالب البطالة، مدركا أنه بحاجة إلى انتزاع بعض الحقوق فلم يجد بدا من رفع شعاره «من لم يغبر شاربه ما دسمه». فبين طموحه الشعري وتحقيق أحلام حياته الخاصة بون شاسع وفجوة لا يمكن ردمها بصور خيالية يحاول تضمينها قصائده، وهو الشاعر الذي منح الشعر كل شيء وتنازل له عن كل شيء، ولكنه لم يستفد منه سوى سقوط أقنعة كل من حوله من شعراء وغرباء، وهذا ما دفعه للإيمان المطلق أن التكسب بالشعر حق مشاع للشعراء لا ذلة أو عيب فيه، فأطلق وعده بأن يسخر قصائده لتحقيق مصالحه المستقبلية بعد أن طارت «فلوس» شاعر المليون البالغة مليون ريال، من جيبه دون أن تكمل بيت العمر الذي تحول إلى عرش خاو لا سقف له. حوار ملتهب أجرته «عكاظ» مع شاعر يتوقد تميزا وتفردا ويمتلك حنجرة ذهبية وأخيلة شعرية راقية، جعلت من صوت الجنوب جرسا موسيقيا في كافة أرجاء العالم العربي.. وإليكم نص الحوار: • امتطى شعراء جنوبيون صهوة شعر النظم، فكان لهم قصائد البصمة كيف تقرأ هذه التجربة؟ -- هم لم يمتطوا صهوة الشعر، بل هم الخيول الجامحة في النظم وغيره، وارجع للتاريخ وأنظر كيف صالوا وجالوا في هذا المجال، ونحن على خطاهم سائرون، فلذلك التجربة قديمة وليست حديثة وهي وافرة بالنضج والوعي والخبرة. • قبل شاعر المليون وبعده، أين موقعك في الساحة الشعرية؟ - شاعر المليون أضاف لي الشيء الكثير، لكن ذلك لا يمحو تواجدي قبل شاعر المليون في الساحة الشعرية في سن مبكرة، حيث قارعت وقتها كبار الشعراء وحصلت على جائزة المفتاحة من صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل حينما كان أميرا لعسير، كما أقمت أمسيات كبيرة جدا وموفقه، قبل شاعر المليون. • الحضور المسرحي، الصوت العذب والأداء الانفعالي، كلها مقومات بارزة للشاعر المميز، هل هذه الحزمة كافية لولادة شاعر؟ - أنت قلت مقومات فهي بالفعل مقومات وليست كفيله بأن تجعل من غير الشاعر «شاعرا». • من بين ثنايا تجربتك، هل صحيح ما يثار من أن الجلوس على كرسي شاعر المليون العنابي يتطلب تنازلات؟ - من تجربتي لا يتطلب تنازلات، ولكن يتطلب شاعرا قويا وذكيا جدا في اختيار قصائده ومواضيعه؛ لأن الإعلام بشكل عام يتطلب الذكاء لكي يمر الشاعر من بين هذا الكم الهائل من الشعراء. • ربما قدم لك الشعر كل شيء فهل تنازلت له بشيء ندمت عليه؟ - لا بكل صراحة لم يقدم لي الشعر كل ما أريد، بل هناك بعض اللوازم الخاصة لم يستطع الشعر أن يجدها لي. مثلا أنا لم أتوظف إلى الآن مع أني قدمت في كل مكان وأملك شهادة جامعية ولكني عاطل، الشاهد أن الشعر لم يعطني كل شيء، بل أعطاني حب الناس وهذا يكفي وتنازلت للشعر وعرفني على ما تخفيه نفوس بعض الشعراء من الغيرة والحسد والقلوب السوداء، فندمت على تلك التنازلات وعلى تلك المعرفة. • التكسب بالشعر ليس تقليدا حديثا، بل هو ضارب في عمق التاريخ ولعل تجربة أبي الطيب المتنبي على بوابة السلاطين دليل ذلك، هل نحا الشعراء في عصرنا ذلك المنحى؟ - نعم وهذه الصفة مرتبطة بالشعر، وأرى أنه شيء طبيعي، وأعمل بمقولة (إذا هبت رياحك فاغتنمها) وهذا ليس بعيب أو عار أو ذلة. • ظهرت في شعر الشقر «العرضة» ولكنك لم تنافس أندادك فيه، ما السر؟ - لم أنافس لأني تيقنت أن صاحب الصنعتين ضائع، ولكني نافست في مجالات أوسع جماهيرية وأرى اسمي في قمة الشعراء الشباب حتى أن وجودي أصبح يشكل هاجسا للكثير ويزعلهم. • أسست موقعك الإلكتروني الخاص بالرغم من حداثة تجربتك الشعرية، في الوقت الذي يعزف فيه كبار الشعراء عن هذه الخطوة. كيف ترى ذلك؟ - الموقع ليس ديوانا حتى تتأنى في طرحه، بل هو مكان يجتمع فيه المحبون لك وأشبهه بالمجلس الذي يجمع الأحباب، وهذا إيجابي لأي شاعر لكي يلتقي بمحبيه. • وصف بعض النقاد، شعراء المليون بمصاصي الدماء، لأنهم تسولوا الناس وطرقوا أبوابهم. أين تقف من هذا؟ - كأني بك تدخلني فيلماً مرعب، لم نصل لمرحلة مص الدماء بعد يا صديقي، بل لازلنا نحرق أنفسنا لنمتع الآخرين أفضل من متابعة الأخبار والأمور السياسية اللتي تضيق الخاطر ولم نجبر أحدا على أن يدفع شيئا، بل كانت برغبة منه وبرضى نفس. أنت مثير بوصف مصاصي الدماء. • يرى البعض أن ديمومة الظهور تحرق الشاعر فهل تؤمن بهذه الرؤية؟ - لا أؤمن بذلك والشاعر الجيد مثل الجبل وليس كالفراشة التي تحرقها حرارة المصباح، ولو أتيح لي يوميا الظهور لظهرت لأني أرى أن الشاعر يجب أن يزاحم بجنب متين لكي يصل ويبقى. • الثورات في بعض الدول العربية طغت كطوفان جامح، ولكن بدون قصائد الشعراء الملتهبة، ترى لماذا فشل الشعراء في تغيير الواقع بينما نجح البسطاء في قلب المعادلة؟ - الواقع لا يستطيع أن يغيره إلا الله سبحانه وتعالى؛ لأن واقعنا أكبر من أن يغيره عالم أو مثقف أو مفتٍ فما بالك بالشاعر؛ لأن الشاعر يعتبر من أبسط البسطاء وأنا أقول لابد للشاعر أن يصلح حاله أولا حتى يستطيع أن يصلح الآخرين. • متى يشكل لك «المايكروفون» هاجسا ومتى يملك الجمهور في نظرك مقص الرقيب الذي تستسلم له؟ - في كل وقت يشكل لي المايك هاجسا؛ فأنا أحاول أن أعطيه حقه من الاحترام؛ لأن خلف المايك جمهور واعٍ يعلم ماذا نقول ويميز الجيد من الرديء، فلذلك الجمهور في يده مقص الرقيب في كل وقت وأتقبل وجهات نظرهم فأنا بدون الجمهور لاشيء. • المتأمل لقصيدتك يجدها مثخنة بالصور الخيالية، وهذا مفتاح استراتيجي للسرد الأدبي لاسيما كتابة الرواية، هل سنقرأ لك رواية في المستقبل أم أن كل خيالاتك وقدراتك ستكون رهينة الوزن والقافية؟ - صراحة أنا من القراء الجيدين للرواية واستمتع كثيرا بقراءاتي في هذا المجال، وأنا أفكر كثيرا أن أبعد عن الشعر إلى شيء آخر لا أدري ما هو لعل الأيام تبين لي وأقول لكم بعدها. • ليتك تكون صريحا، متى توظف شعرك لخدمة مصالحك الشخصية؟ - إلى هذه اللحظة وللأسف لم استغل الشعر لمصلحتي الشخصية، ولكن أعدك أن استغل كل شيء مستقبلا، وأن أسير على رأي المثل القائل «من لا يغبر شاربه ما دسمه». • من منحك لقب صقر الجنوب؟ - جمهوري العريض والكبير هم من لقبوني بهذا اللقب لأني خدمت الموروث الجنوبي وأوصلته للعالم العربي، وعرفت من يجهل هذا الموروث بالثقافة الجنوبية. • أين ذهبت فلوس شاعر المليون التي حصدتها، كيف صرفت؟ - ذهبت في الديون وبناء بيت لم يستطع الشعر أن يصب سقفه، لذلك لم أسكنه حتى الآن، بل إنه تحول إلى عرش خاوٍ. • متى تكتب الشعر بمعزل عن مواقفك الشخصية، أقصد فصل معاناتك الشخصية عن نبض القصيدة؟ - ممكن أن تكون، ولكن ليست دائما لأني لا أجيد التصنع كثيرا. • على مسرح الساحة الشعرية، متى يبكي فهد الشهراني ومتى يبتسم؟ في الساحة الشعرية لن أبكي مادمت حيا وأشم الهوى؛ لأن هناك من يشمت بك إذا بكيت، ولا يحلو لي الابتسام إلا إذا رأيت من أعرف أنه مغتاظ من نجاحي. • هل لعبت البيئة والقبيلة دورا في تشكيل ملاح شاعريتك؟ البيئة شكلت ملامحي ولها دور فاعل، فأنا عشت في أكثر من بيئة من صغري فتعدد الثقافات جعلني أمزج شاعريتي بشكل جديد وجميل. • المرأة .. هل تحرك سكون قريحتك أم أنها كائن حي في عالمك؟ -- الله أكبر المرأة حركت أمم على بعضها وأطاحت بملوك ودول ولا تريدها أن تحرك شاعرا مغرما.