بدأ موسم الأعراس المتزامن مع عطلة الصيف، غير أن الأفراح في الكثير من الأحايين تجهضها ظاهرة الطلقات النارية التي تنطلق في خضم الفرح، وتحيل السيناريو الموشى بالبياض إلى بركة من الدماء، ونجد أن رصاصات الأفراح كثيرا ما تصطدم بحائط ضبابي بين مؤيدين لهذه الظاهرة ورافضين لها، ولكل منهم حيثياته؛ فالمؤيدون يرون أنها تسجل ضمن العادات المرتبطة بالأفراح، بينما يرى الممانعون أنها إخلال بالأنظمة الأمنية، وبين هذا وذاك تقف الشرطة بالمرصاد لمن يحاول اختراق ملاءة الأمن، ولأن هذه الظاهرة تنتشر في بعض المناطق دون غيرها، فقد أكد مدير شرطة محافظة الخرمة العقيد عبدالرحيم الطلحي أن الشرطة تقوم بواجبها في هذا الصدد، وزادت عليه تكليف أئمة وخطباء المساجد بتكثيف التوعية بمخاطر ظاهرة إطلاق النار تعبيرا عن الفرح. «عكاظ» رصدت ووثقت خلال السنوات الماضية وفي تقارير إخبارية متعددة عددا من حفلات الفرح التي تحولت الى مآتم. في محافظة رنية، وقبل نحو عامين، وداخل إحدى قاعات الأفراح تسببت رصاصة انطلقت أثناء عبث أحد الحضور بسلاحه في مقتل طالب تخرج في المرحلة الثانوية وأنهى اختباراتها قبل أسبوع من وفاته وكان ضحية الطلقة قبل الحادثة ينتظر تسلم شهادة التخرج في صباح اليوم التالي. وفي إحدى بلدات القطيف وقبل ثلاث سنوات، توفي شاب في أحد الأفراح بعد أن اخترقت رصاصة طائشة ظهره لتخرج من صدره أمام أقاربه والمدعوين ما أدى إلى تحول الفرح إلى مأتم. أما في محافظة الخرمة فقد اخترقت شظية نارية ساق فتاة في الخامسة عشرة من عمرها قبل عامين وهي داخل منزل أسرتها، حيث فوجئت بالإصابة بعد مسيرة فرح صاحبها إطلاق نار كثيف بمناسبة زفة أحد العرسان، حيث فوجئت الفتاة خلال تنظيفها سور المنزل من الداخل بطلق ناري يخترق أسفل الركبة لتسقط مغشية عليها أمام مرأى والدتها وأشقائها. عادة قديمة «عكاظ» حاورت جميع الأطراف ما بين مؤيدين ومعارضين وقانونيين ورجال أمن وخلصت الى أن الخروقات في مثل هذه الحالات عواقبها وخيمة تصل إلى السجن خمس سنوات. وفي هذا السياق، قال محمد العتيبي إن الاحتفاء بالعرسان واستقبال الضيوف ومنذ القدم يتطلب إطلاق النار، واستمرار هذا النوع من الاحتفاء، يعتبر إحياء للعادات والتقاليد والموروث ولكنه في الوقت الحالي لا شك يتطلب المزيد من الحرص والضوابط، سواء من حيث من يستخدم السلاح أو موقع إطلاق النار، فمن المحظور إطلاق النار وسط الشوارع أو داخل قاعات الفرح أو تسليم الأسلحة للأطفال والمراهقين، لا بد أن يكون السلاح في أيدي رجال ثقات ويتم إطلاق النار على باب القاعة مع توجيهه لخارج المدن والنطاق السكاني مع الابتعاد عن كثافة إطلاق النار. احتفاء النار ويشاركه في الرأي عبدالرحمن الدوسري مشيرا إلى أن مظاهر الفرح حاليا خاصة لدى القبائل وسكان القرى تتطلب إطلاق النار كنوع من الاحتفاء بالعريس والترحيب بالضيوف، ويرى الدوسري أنه ومع هذه الاحتفالات يجب الحرص على سلامة المدعوين وسكان المنطقة باتباع بعض الطرق التي تكفل سلامة الجميع؛ ومنها تخصيص شخص أو شخصين من كبار السن لهذا الأمر وحظره على البقية، إضافة إلى تحديد موقع معين لإطلاق النار يبتعد عنه الأطفال ويكون بعيدا عن صالات الرجال والنساء مع ضرورة إطلاق النار في اتجاه معاكس للمنطقة. أفراح وأتراح غير أن أحمد الغنامي يعارض ظاهرة إطلاق النار بشدة، مؤكدا أن كوارثها ومصائبها عديدة، يقول الغنامي «الكثير من مدن وقرى المملكة تحولت فيها الأفراح إلى أتراح ومآتم، نتيجة إطلاق النار، فجأة تتغير وجهة السلاح ويروح ضحيته أبرياء، الظاهرة خطيرة وتتطلب تشديدا أمنيا ووعيا من المجتمع». ويشير الغنامي إلى أنه لا يوجد أية فوائد من إطلاق النار في الأفراح، من الممكن الاستعاضة عن ذلك بالألعاب النارية. وكشف ناصر العتيبي أن مخاطر الطلقات النارية في الأفراح لا تقتصر على المدعوين، بل تمتد إلى سكان المنطقة أو القرية، حيث إن شظايا وبقايا الطلقات تتساقط على السكان وسبق أن سجلت حوادث من هذا النوع في مدن وقرى عدة. واستغرب العتيبي تزايد وتفاقم الظاهرة رغم منعها ومخالفتها للأنظمة مطالبا بتكثيف الحملات الأمنية للحد منها للحفاظ على سلامة المواطنين والمقيمين. تقديم دعوى من جانبه، يؤكد المحامي أحمد الراشد وفي رأي قانوني أن إطلاق النار في حفلات الزفاف يعتبر أمرا مخالفا للأنظمة ويعاقب عليه القانون، حيث إن عقوبة حمل السلاح واستخدامه في الأماكن العامة تصل إلى السجن لمدة خمس سنوات، حتى لو كان مرخصا لكون الترخيص جاء للدفاع عن النفس في وقت الضرورة وليس للتباهي بالسلاح والتهاون بأرواح الناس. وشدد الراشد على أنه يحق للمواطن أو المقيم تقديم دعوى ضد مطلقي النار في حفلات الزفاف في حال تضرره سواء معنويا أو جسديا، حيث إن تعرضه للخوف أو الضرر يخوله لتقديم شكوى والحصول على الحق الخاص. وعن ضبط المخالفين والإجراءات المطبقة حيالهم قال الراشد إن الجهات الأمنية تتولى إعداد الدعوى ورفعها لديوان المظالم. وأكد الراشد أن استخدام السلاح وإطلاق النار في حفلات الزفاف يمثل خطورة بالغة على المواطنين والمقيمين لذلك تقرر منعها. خطط أمنية مدير شرطة محافظة الخرمة العقيد عبدالرحيم الطلحي أكد ل«عكاظ» أن شرطة الخرمة تطبق منذ العام الماضي خطة مدروسة للقضاء على هذه الظاهرة؛ حفاظا على سلامة المواطنين والمقيمين، حيث يتم استدعاء أصحاب قصور الأفراح والعاملين فيها منذ وقت مبكر وتؤخذ عليهم الإقرارات اللازمة بعدم تأجير القصور لأصحاب الحفلات قبل مراجعتهم للشرطة وتسجيل التعهدات اللازمة عليهم بعدم إطلاق النار. وأشار الطلحي إلى أن عددا من العرسان وأولياء أمورهم راجعوا الشرطة وتم أخذ التعهدات عليهم بعدم إطلاق النار وإفهامهم بأنهم مسؤولون مسؤولية كاملة في حال إطلاق النار في حفلات زفافهم. كما بين العقيد الطلحي أنه جرى التنسيق مع الأوقاف والمساجد للتعاون مع الأئمة من أجل التحذير في خطب الجمعة من عمليات إطلاق النار خلال الأفراح لمخاطرها الجسيمة على الجميع. وبين الطلحي أن الخطة أتت بثمارها، حيث لم تسجل محافظة الخرمة العام الماضي والحالي أي حوادث من هذا النوع، ولله الحمد، وذلك بفضل من الله ثم الجهود الأمنية التي يبذلها رجال الأمن ووعي المجتمع. سلامة الجميع من جانبه، أكد الناطق الإعلامي المكلف في شرطة الطائف الملازم سليم الربيعي أن إطلاق النار خلال حفلات الزفاف يعتبر مخالفة للأنظمة ويعاقب عليها القانون، مشيرا إلى أن جميع أقسام ومخافر الشرطة مبلغة بهذه التعليمات وتنفذ خططا أمنية لمنع المخالفات للحرص على سلامة المواطنين والمقيمين من مخاطر إطلاق النار خلال الحفلات.