في الماضي، كان الطالب حتى بعد الصرفة، يتذكر جيدا هيبة معلمه وملامحه الجادة ليحملها معه أينما ذهب، فيما تنشغل مخيلته في استعراض البوم الصور للفلقة أو للعصا الغليظة التي سيكون له نصيب منها صباح اليوم التالي، كل هذا يحدث بتأييد تام من قبل أولياء الأمور، أولئك الآباء الذين لا يقلون شدة عن المعلمين وهم بكل تأكيد محبون لأبنائهم، استرجعت كل هذه التفاصيل الصغيرة، وأنا أشاهد مقطع فيديو تم عرضه مؤخرا على (اليوتيوب) تحت عنوان (الرقص على جراح التعليم) يصور حالات واقعية يرتكبها الطلاب هذه الأيام بمختلف المدارس مثل: النوم في الفصول، التأخر في الحضور للدوام، الهروب من المدرسة فرادى أو جماعات، إلى جانب الفوضى والعبث والشخبطة على الجدران، والأشنع من هذا وذاك، الاستهتار بالمعلمين والتعدي والتندر عليهم!! هناك الكثير من أفراد المجتمع يرون بأن قيام وزارة التربية والتعليم بمنع الضرب في المدارس كان له بالغ الأثر في انعدام هيبة المعلم وبروز تلك الشخصية المستهترة والعدائية واللامبالية للطالب، وهناك البعض من أفراد المجتمع يرون في المقابل أن قرار منع الضرب قرار حكيم ومتحضر للغاية وهناك أساليب تربوية أخرى يمكن استخدامها! وهذا الاختلاف في الرأي والنظرة لا يقتصر على أفراد المجتمع الطبيعيين، بل حتى النظام الذي ولد من رحمه هذا القرار التربوي تختلف معه تماما الشريعة ممثلة فيما تصدره المحاكم المختصة من أحكام قضائية!؟ قبل أكثر من عام تقريبا، قام أحد المعلمين بضرب طالب في الثانية عشرة من العمر بعد أن تلفظ عليه بألفاظ غير مقبولة، وعندما عاد الابن إلى البيت اشتكى لوالده ما حدث من المعلم وهو يشير إلى مكان الضرب فتوجه الأب في اليوم التالي للمدرسة، وهناك وجه اتهامه للمدرس الذي دافع عن موقفه بضراوة مؤكدا شرعية ما قام به، فما كان من والد الطالب إلا أن سارع برفع شكواه إلى الوزارة، مستندا على التقرير الطبي الذي يثبت تعرض ابنه للضرب، فأدين المعلم إداريا، استنادا إلى (القواعد التنظيمية لمدارس التعليم) التي تؤكد بأنه لا يجوز معاقبة الطالب بالضرب بأي نوع من العقوبات البدنية والنفسية وعلى المدرسة معالجة ما يحصل من الطالب من مخالفات بالأساليب التربوية المناسبة لعمر الطالب وخصائصه الفردية وتجنب ما يمس الكرامة وعزة النفس. كما قام والد الطالب، إمعانا منه في تلقين المعلم درسا لا ينساه، برفع دعوى أمام المحكمة الجزئية للمطالبة بتعزيره إلا أن الشرع أنصف المعلم ورد إليه اعتباره وكرامته ومكانته وهيبته التي سلبت منه على مر السنوات الماضية حيث تضمن الحكم: لأن الشريعة الإسلامية قد جعلت للمعلم تأديب تلاميذه إذا صدر منهم ما يوجب ذلك ولأن الطالب تلفظ على المعلم وحيث إن الضرب لم يخرج عن حد التأديب فلم يكسر له عظما ولم يدم له جسما ولم يتسبب ذلك بحدوث شجات في رأسه وجروح في جسده ولم يكن الضرب على مقاتل الجسد وكان الضرب بآلة أجاز الفقهاء استعمالها في تأديب التلاميذ. [email protected]