وصفة جديدة، ودواء يزعم مروجوه أنه يجلب النفع ويدفع الضر، ويباع في بعض محال التسجيلات والعطارة. هذا «الدواء» الذي لا يحتاج إلى عيادة أو وصفة طبية، يباع عبر قوارير بثلاثين ريالا، لا يتجاوز حجمها نصف لتر. سر الدواء كما يقال ماء زمزم المقروء عليه، والذي يشاع أنه يستخدم في علاج العين وفك السحر وإخراج الجن وإن كان لا يعرف مصدر القارئ!، وهل قرئ عليه فعلا !، وهل الماء هو ماء زمزم كما يدعون؟ !. البعض وصفها بالموضة الجديدة، بل خشي انتشار موضات على غرارها، ومنهم من رأى أن هذا ضحك وتدليس واستغلال للبسطاء، خاصة أن عاطفة الناس جياشة لكل ما يتعلق بالدين، مطالبين بوقف التكسب من مثل هذه الأمور على حساب الدين لقوله تعالى: (ولا تشتروا بآيات الله ثمنا قليلا). «عكاظ» تقصت الأمر وتساءلت عن الرؤية الشرعية لهذه الأفعال في سياق السطور التالية: عمل باطل بداية أكد الأستاذ المشارك في المعهد العالي للقضاء الدكتور هشام آل الشيخ بطلان بيع قوارير ماء من أصل عبوة نصف لتر بثلاثين ريالا عبر محال التسجيلات الإسلامية، بحكم أنها زمزم مقروء عليه، مشددا على أن هذا نصب، وأكل لأموال الناس بالباطل، مبينا أن الماء لا يشفي بذاته، بل الشافي هو الله، والتحصينات ليست إلا سبب. وتحدث عن ثلاث درجات للتحصين، أولها قراءة الإنسان على نفسه كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يتمكن لجأ للحالة الثانية فقرئ عليه ثم نفث عليه مباشرة، أما الحالة الثالثة فهي قراءة شخص صالح على الماء واستخدام المريض له. وحذر من شراء هذه المياه معتبرا أنها تجارة، مطالبا الجهات المعنية بالتدخل في الأمر ومتابعتها وقبضها على ممارسي هذه الأعمال، ناصحا بعدم استخدام مصادر مجهولة كالمياه التي لا يعلم قارئها، فلا يعلم صلاحها وخلوها من الأمراض كالكبد ونحوه، فعندما ينفث شخص مريض بداء الكبد، يصبح الماء مصدرا للمرض بدلا من الشفاء، مشيرا إلى أن الشفاء يكون بأي ماء مقروء عليه، سواء زمزم أو غيره، وإن كان زمزم شفاء من كل سقم. وبين عدم إمكانية إثبات أن الماء قد قرئ عليه، ذلك أن بعض القوارير محكم إغلاقها، والمقصود هو نفث القارئ على الماء مباشرة، مبينا أن النفث على خزان أو وايت والقراءة عليه دجل، ويهدف لبيعه بأسعار مبالغة، لافتا إلى أن هذه الأفعال ستفتح مجالا خصبا، وموضات جديدة على الدين، كما سمعنا عن الرقية عبر الهاتف، أو مواقع الإنترنت، وهذا ضحك على بسطاء العقول. ودعا الجهات المسؤولة إلى التدخل ومراقبة هذه الأعمال، وعدم السماح ببيع ذلك إلا بتصريح وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، أو دار الفتيا. واستشهد ببعض المياه السليمة المقروء عليها، كالمتواجدة في مكاتب الدعوة، معللا سلامتها كونها توزع بالمجان أولا، إضافة وجودها في مكان موثوق، ومكتوب عليها اسم القارئ، وهذا لا يتوافر في المحلات التي تمارس البيع. فرض عقوبات ووصف إمام جامع الخلفاء الراشدين في جدة والداعية الإسلامي عادل الجهني هذا الفعل بأنه تغرير، واستعطاف على حساب الدين، فالمريض كما يقال يتعلق بقشة. وبين أنه لو قيل إن قيمة العلبة بخمسين ريالا لاشتراها الناس، مشددا على أن هذا عمل لا أخلاقي، يقصد منه المادة، وذكر أن العسل والزيت يدخلان في هذا الموضوع، فالكشميري يصل إلى ثلاثين ريالا، لكنه يباع عند الرقاة بمئة وخمسين. وأكد على ضرورة فرض عقوبة على مزاولي البيع، معيدا مهنة الرقابة والسحب من الأسواق على وزارة التجارة، لئلا يضحك أحد على الناس باسم الدين وببركة زمزم، مناديا بتغريم هؤلاء، فالناس ليسوا بحاجة لوعي أكبر، قائلا: آيات الاستشفاء والسحر والعين معروفة. واستشهد بقول ابن القيم بأن أنفع الأدوية، هي علاج الإنسان لنفسه، لكن الناس تذهب للرقاة دون السؤال عن أخلاق من تتجه إليه. وتطرق إلى أن هذه أمور تفتح أبوابا على الدين، كالتاجر الذي صنع كعبة وجعلها زينة للحجيج فتدخلت وزارة التجارة، أو من صمم إحراما طبيا، وادعى أنه مجاز من هيئة كبار العلماء وأن الإحرام لا يحوي مخيطا، فأظهرت الصحف كذبه على هيئة كبار العلماء، ودخول إحرامه في باب المخيط. عقول ساذجة وكان الكاتب في صحيفة عكاظ نجيب يماني قد لفت إلى هذه الظاهرة عندما قال في مقال له: «انتشر في بعض المناطق بيع زجاجات ماء زمزم مخلوطة بالرقية الشرعية، وخصوصا في محال التسجيلات الإسلامية، بسعر يصل إلى 30 ريالا للزجاجة التي لا تتجاوز نصف لتر». وذكر سذاجة عقول القائمين على هذه التجارة المضللة، وتهافت أصحاب النفوس الضعيفة على شرائها، معتقدين احتواءها على علاج، وهذا على حساب العقيدة والدين ، متعجبا من انخداع المؤمن بهذه الترهات واعتقاداتهم الشفاء، رغم ورود نصوص في كتاب الله وسنة رسوله تدحض ذلك وتحاربه وتحذر من الانزلاق في مخاطره. ونوه أن الأصل في معتقدات الناس وحاجاتهم هو الاتجاه إلى الله من غير واسطة، ولا وسيلة، أو تمائم، أو رقيا شرعية، كما قال تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم). وعلق بأن الله فتح أبوابه ليتجه الناس إليه بحاجاتهم، ليس في حالات الشدة فقط، بل في كل صغيرة وكبيرة، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «ليسأل أحدكم ربه حاجاته كلها حتى شسع أي رباط نعله إذا انقطع». وأضاف: «الواجب على كل شخص إن جاءته نازلة، دعا الله بقلب خالص غير متعلق براق أو ببركات التمائم، بعد الأخذ بالأسباب وطلب الفرج ورفع البلاء منه سبحانه، كما يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «الدعاء مخ العبادة فالله هو الشافي»، منوها بأن المروجين لبعض المعتقدات الفاسدة يظنون جلبها للنفع، ودفعها الضر، وهذا خطأ. وبين أن الرسول لم يتداو بزمزم مرقيا عليه، أو غير مرقي، رغم أنه سحر ومرض، ولم يفعل ذلك أحد من الصحابة، ممن عاش في مكة. مؤكدا لو وقع من أحد الصحابة هذا الفعل، لعلم قطعا، ولسجل في كتب الفقه والتراجم. مشيرا إلى قوله تعالى: (ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد)، مبينا أن الله وصف البركة في ماء المطر، وهذا يعني أنها أي البركة من عنده جل جلاله.. محذرا من الاعتقاد أن زمزم هو النافع أو الضار، مطالبا الناس بالترفع عن الخزعبلات، كاعتقاد أن زمزم أو حبة البركة، أو قبر ولي، أو تلاوة فلان، تجلب نفعا أو تدفع ضرا.