نضب ماء ميدان الدوارق واجهة مكةالغربية وأصبح الجفاف معلما بارزا يدل على القحط وبين المركبات المتوقفة بانتظار الضوء الأخضر علامات تشير إلى أن مرتعاً للتخلف يبرز بالقرب من المكان إذ ينتشر أبناء الجالية الإفريقية القادمون من دهاليز حي شارع المنصور فمنه الإنتاج وفي الطرقات المجاورة التوزيع وما يحمله الشارع الطويل كم مخالفات لا تنتهي. وأوضح الناطق الإعلامي في شرطة العاصمة المقدسة المقدم عبدالمحسن الميمان «الأجهزة الأمنية نفذت العديد من الجولات على هذه المواقع من خلال حملة ضياء ولا تزال هناك جولات مجدولة وبشكل مستمر للقضاء على هذه المشاكل». وأضاف الميمان «لا يخفى على الجميع المشاكل الموجودة في هذه الأحياء وسبق أن كتبت الصحف عن عمليات القبض على نساء يقمن بعمليات بيع أجهزة، كما قبض على سحرة وغيرهم مؤكدا أن هناك متابعة مستمرة لهذه الأحياء. واجهة مكةالمكرمةالغربية كما يحبذ سكان العاصمة المقدسة تسميتها لا ترتقي إلى طموح ساكنيها إذ أن النافورة الشهيرة نضب ماؤها من عده سنوات وتسعى الجهات المسؤولة إلى إعادة الحياة لها مره أخرى. انطلقت «عكاظ» إلى ما خلف كواليس أحياء مكة وتحديداً شارع المنصور وطرقت أبواب نمط عيش سكانها الأفارقة الذين يمثلون النسبة العظمى، إشارة الدوارق بداية الرحلة حيث ينتشر مجموعة من الرجال والنساء والأطفال ذوي البشرة السمراء ينتشرون كل في عمله منهم حملة عبوات الماء ويصدحون بأصواتهم بين أرتال السيارات «موية بارد» والبعض الآخر يضعون على أكتافهم سفر طعام مصنوعة من الخصف وأدوات أخرى تستعمل في المطبخ بينما يرتدي ثلة منهم ملابس الأندية العالمية محترفين التسول بلسان الدعاء. مع الأمتار الأولى من حي المنصور شارع أم القرى قررنا اقتحام سوق بكر حيث طلبت من زميلي المصور إخفاء الكاميرا كي لا نتعرض للمضايقة من أبناء الحي، دخلنا إلى الشارع الموحش البعض منهم يضع طاولة أمامه لبيع «القورو» الذي يعد المزاج الرسمي في المنطقة وأثناء رفع المصور كاميراته لالتقاط الصور تعالت صيحة أحدهم فما كان من المصور إلا أن تنفس الصعداء وابتلع ريقه وانصرفنا إلى وجهة أخرى لكنها في الشارع ذاته حيث تنتشر الأمراض على جانب الطريق جراء بيع الأكل المكشوف والغذاء الملوث. وفي ركن آخر من شارع المنصور يجلس أفريقي يخيط الملابس، طلبت من المصور أن يلتقط صورته إلا أنه وبعد تفكير مع نفسه نزل بدون الكاميرا وطلب من الرجل أن يريه الأقمشة لكي يتمكن من اختيار أحدها لابنه، وأثناء عملية العرض طلب المصور التقاط لمحة بالفلاش للأقمشة ليريها زوجته لتختار ما هو مناسب لها ولأبنائها، وبابتسامة عريضة رفع القماش وتصور إلى جواره وبنظرة فاحصة للمكان لا يمكن التخيل أن ذلك محل خياطة. خلال رحلة الخوف التقينا محمد الزهراني شاب سعودي يجلس في سيارته أمام منزل يعود لطبيب شعبي من الجالية الإفريقية وسألناه عن خفايا الحي فأجاب «قدمت لإيصال أحد أصدقائي إلى طبيب شعبي يعمل في تجبير الكسور حيث سمعنا من زملائنا أن هنا مجبرا شهيرا يعيد الكسر مكانه ويضع على مكان الكسر شحم الدجاج وخلال ثلاثة أيام يمكن السير عليها». ويقول أحد سكان الحي ويدعى خالد محمد «هذا الحي قل التركيز عليه من قبل الأفارقة خاصة فيما يخص عمليات البيع بعد أن شنت الجهات الأمنية حملات واسعة حيث أصبح التوجه إلى مواقع أخرى لكي يتمكنوا من تصريف مسروقاتهم». شارع «دوقن قدا» يحمل مصطلحا بلغة الهوسة يعني «العمارة الطويلة» وهو شارع خلفي تحت كبري المنصور حيث يباع كل شي وبأقل الأسعار وغالبيته من المسروقات القادمة من خارج محيط الشارع. على امتداد شارع «دوقن قدا» بسطات لبيع القورو وبعض المستحضرات الطبية والمنشطات الجنسية وأخرى لبيع أجهزة الجوال المسروقة والكثير من الأجهزة الكهربائية والملابس المستعملة والتي تباع بأسعار زهيدة جدا وقاصدي هذا السوق العشوائي من أبناء جلدتهم أو القليل من الوافدين. على أطراف الشارع يضع أفارقة أدوات لعمل الحجامة حيث «المحقن» بخمسة ريالات وتجرى للشخص وهو يجلس على كرسي بدائي وينتشر حلاقون يقصون الشعر ويحلقون الدقن بأربعة ريالات فيما مجموعة منهم يعملون في تقليم الأظافر. مواطن يدعى أبو محمد من سكان الحي تكفل بأن يكون مرافق معنا لكي نتمكن من دخول أحد الشوارع التي يكثر فيها بيع المأكولات و المشروبات الفاسدة وعلى اعتبار أنه من أبناء جلدتهم ويتحدث اللغة الإفريقية بطلاقة ويسير أمامنا على أنه مرشد لتصوير أحد المواقع السكنية لبيعها. في الشارع الذي لا يتعدى عرضه المترين يصطف مجموعة من الأفارقة يبيعون «السيريا» وهو عبارة عن لحم بقر مجفف حيث يضعون شباكهم على الفحم ويقومون بعملية الشواء وتحضير وجبة الغداء وفي المقابل تحتضن بعض النساء أوعية مكشوفة داخلها مشروب للطاقة ذو اللون الأبيض مكون من الدخن والحليب ويسمى (فرفر) وآخر نفس لونه إلا أنه يقدم ساخنا ويسمى (قدو قدو) وآخر باللون الأحمر وهو عبارة عن كركديا. أثناء جولتنا صور الزميل عملية البيع عندها تعالت صيحة سيدة أمامها وعاءين وتشير إلينا وتتحدث إلى شخصين «فما كان مني إلا أن طلبت منها شراب (قدو قدو) لكي أثبت لها أن تصويرنا ناتج عن فرحتنا بمشاهدة مشروبنا المفضل حيث عبئت كيسا بنصف ريال وأعطتني إياه». وفي شارع المأكولات الغريبة تبيع سيدة دجاج مقلي بثلاثة ريالات وعند سؤال مرافقنا أكد «هذا الدجاج يجلب من المحرقة بعد أن تقذف بها مزارع الدجاج نظراً لعدم صلاحياتها للاستهلاك الآدمي». ويضيف أبو محمد «أن هؤلاء النساء يجمعون المخلفات من علب مياه وغيرها ويستخدمونها في بيع أطعمتهم ومشروباتهم الفاسدة» مشيرا إلى أن داخل هذه الأحياء يتم تبديل للعملات القديمة التي لا يمكن صرفها في الأسواق كما أن هناك أشخاص يقومون بأعمال سحرية وكلها بأسعار زهيدة جدا لكي يتمكنوا من اصطياد ضحاياهم. ويحكي أبو محمد «في أحد الأيام أخرجت قطعة من سيارتي ووضعتها على الرصيف وغفلت عنها وعند عودتي للبحث عنها لم أجدها الأمر الذي دفعني إلى التوجه لسوق «دوقن قدا» حيث أنني عثرت عليها عن أحد الأفارقة تهم ببيعها وعند سؤالي عن قيمتها قالت بخمسة ريالات ما دفعني إلى أعطائها النقود وأخذ عدتي التي يبلغ سعرها 1300ريال». وزاد «لا حل سوى إزالة الواقع عن بكرة أبيه».