على قارعة شارع المنصور بمكةالمكرمة يظل "زقاق القورو" علامة فارقة في جبين الشارع الذي يخترق الحارات السوداء..وبعرض يقل عن خمسة أمتار وبطول 40 متراً يفيض الشارع الأفريقي بصور قاتمة السواد للفوضى وكأن ملامح المشهد لمدينة أفريقية!. لم نكن في حاجة إلى من يدلنا على الشارع الذي يغرق في التجاوزات، فهو أشهر من نار على علم، ويتفرع من أشهر شوارع الأفارقة "شارع المنصور" قبيل تقاطع طريق المسجد الحرام، حيث هالنا المشهد العام، وكأننا في حي داخل العاصمة التشادية "أنجمينا" أو حتى "أبيديجان أو لاجوس" في نيجيريا. التجاوزات التي يفيض بها الشارع أكبر من أن يكتب عنها؛ لدرجة الدهشة وفتح أفواهنا من فرط مشاهدتنا للفوضى العارمة. على قارعة الطريق تستقبلك جماعات أفريقية من الجنسين بعضهن فتيات بأجسام مفتولة عليهن ملامح القدوم للحج متزينات بالحناء الأفريقي، افترشن مدخل الشارع الشهير لعرض حبيبات القورو وسط صحون ملفوفة بقطع من الخيش تجنباً لتعرضه للجفاف، وبلا ملل أو سأم تتواصل عروض الجلسات من بعد صلاة العصر إلى الساعة الحادية عشرة ليلاً. وبملابس المقيم الراغب في الشراء حاولنا التحايل على باعة السوق ممن يفحصون الوجوه الغريبة أمثالنا، وكلما توغلنا في الدخول في عمق الشارع كلما غصنا في متاهات الفوضى والتجاوزات.. أطعمة مكشوفة تباع بطريقة بدائية، وحبات من البيض داخل عبوات الحليب المجفف مجهزة للتوزيع، وعبوات وقنينات غريبة لعلاج الضعف الجنسي، وبضائع لا يعرف مصدرها وأخرى منتهية الصلاحية، ولحوم ودجاج مكشوفة عليها آثار الشواء تعرض مكشوفة. وفي شارع المتناقضات أدهشتنا الهيمنة الأفريقية على أكبر شارع لتجارة القورو في مكةالمكرمة، بل والممول الأول لكل الجاليات الأفريقية داخل مكة وما حولها من ضواحي. تسللنا المسائي كان بهدف كشف الأسرار بعد أن خلعنا العقال والغترة ودلفنا بصفة متسوقين. لم نكن في حاجة إلى البحث عن أسرار هذا السوق؛ كون التجارة رائجة وأمام الملأ، فصفقات كبيرة تعقد لبيع القورو لترويجه على الشريط الساحلي للجالية اليمنية، بل ان هناك هوامير ينفردون بهذا النوع من التجارة بتحميل كميات كبيرة ونقلها إلى جنوب وشمال مكةالمكرمة. "سمير" -هكذا عرفنا اسمه- بائع ابتلي بمحاصرة الأفارقة لمحله، يقول: يفتح السوق من السادسة صباحاً وحتى الثانية عشرة ليلاً بدون كلل أو ملل، فيما تنخفض أسعار حبة القورو هذه الأيام؛ بسبب وفرتها في موسم الحج، حيث يبلغ سعرها اليوم ما بين 5إلى 7 ريالات، فيما يرتفع سعرها من بعد منتصف السنة الهجرية الجديدة إلى 15 ريالاً. "بندر" مواطن غادر الزقاق الفائض بالزحام، وانتقل لحي آخر هروباً من خطر الأفارقة، ملمحاً إلى أن كثيرا من سكان الحي باتوا أمام خيار وحيد هو تأجير بيوتهم والبحث عن مساكن في مخططات مكة البعيدة. ويظل موسم الحج أكبر موسم لتوفير القورو الذي يهرب داخل حقائب الحجاج الأفارقة. متخصصون كشفوا أن القورو أو جوزة الكولا (القورو) ثمرة تنبت في وسط أفريقيا، والأجزاء المستعملة فيها هي البذور، حيث تحتوى علي الكافيين والثيوبروميين والتانين ومكونات أخرى فينولية، ولها استخدامات طبية عديدة . وقرون الثمار تحتوي على 1- 2 من البذور، لحمية القوام ووردية اللون تحتوي كل بذرة على أكثر من فلقتين، كما تحتوي البذرة على مركبات فعالة هي الكافين ومواد عفصية، ومركبات فينولية متعددة وصبغة الكولا الحمراء، وبروتينات، ونشويات، وهذه المواد المضادة للأكسدة تكون في أحسن حالاتها عندما تكون البذور طازجة وحديثة القطف. ويستخدم القورو (بذور الكولا) في الطب الشعبي الأفريقي لزيادة النشاط الجسمي والعضلي. ويصف أفارقة طريقة عمل القورو وميكانيكيات التأثير غير معروفة للعلماء حتى الآن، ولكن يُعتقد أن مجموعة المواد الفعالة الطازجة تعمل متكافلة مع بعضها البعض مسببة في زيادة انسياب الدماء في جميع الأعضاء الحساسة، مثل الدماغ والأعضاء التناسلية والقلب والكليتين والكبد، وبالتالي تؤدي إلى حالة من الانبساط النفسي وتزيد من الرغبة لممارسة الجنس لدى كلا الجنسين. ويشير مراقبون إلى أن أضرار القورو تشبه إلى حد كبير أضرار تناول كميات كبيرة من الشاي أو القهوة، حيث تظهر عند تناول كميات كبيرة خلال فترة قصيرة. وبمجرد خروجنا من صخب شارع القورو هاتفنا مصدر مسؤول في إدارة مكافحة المخدرات بمكةالمكرمة، وسألناه عما إذا كانت نبتة القورو ضمن المواد المصنفة في قائمة المخدرات، مشيراً إلى أن القورو خارج تصنيف المخدرات، ومواجهة تجارتها مسؤولية الشرطة.