على الرغم من الشروع في تخصيص الخطوط السعودية قبل 11عاما، إلا إن المشروع الذي من المتوقع أن يرى النور بصورة شاملة في العام 2016 وفقا للخطة المعتمدة يسير ببطء شديد في الوقت الذي يؤكد فيه بعض الخبراء أن الخطة تصطدم بالرؤية الحكومية التي ترى ضرورة بقاء الخطوط السعودية في العمل كناقل وطني يسهم في تقريب المسافات ودعم مسيرة التنمية بين أرجاء الوطن بغض النظر عن العامل الربحي. في المقابل يرى آخرون، أن المشكلة الأساسية تتعلق بصعوبات إعادة الهيكلة الإدارية والبشرية والروتين الحكومي وأسعار التذاكر على الخطوط الداخلية رغم الدعم الكبير الذي تحظى به المؤسسة في شراء الوقود. في بداية الألفية الجديدة أي في العام 2000 بدأ الحديث عن تخصيص «السعودية» بتوقيع عقود مع عدد من البنوك والمصارف والاستشاريين لإعداد برنامج للمشروع، وعلى الرغم من الخطة التي تم إعدادها على ثلاث مراحل تنهي المشروع خلال فترة محددة وقصيرة إلا أن الخطة لم تحظ بالقبول. وفي سبتمبر من العام 2006 وافق مجلس الوزراء على الخطة الاستراتيجية للتطوير والتخصيص في الخطوط السعودية والذي يستغرق وفقا لمديرها العام خالد الملحم 10 سنوات كاملة. وبالفعل بدأت خطة التخصيص في قطاعات الشحن والتموين، ثم الخدمات الأرضية وهندسة وصناعة الطيران. وتراهن الخطوط السعودية حاليا على أسطولها الجديد من أجل زيادة السعة المقعدية على الرحلات الداخلية في حدود مليوني مقعد سنويا يتوقع أن تسهم في حل أزمة الحجوزات ومشاكل التأخير، في حين تسود قناعة لدى البعض بأن المنافسة القوية التي تهدد الخطوط السعودية هي الوحيدة القادرة على إحداث تغيير جذري في السوق، وبدون ذلك ستظل السعودية تراوح مكانها وفقا لأصحاب هذا الرأي. مزايا للناقل الوطني يقول الخبير الاقتصادي عبدالرحمن القحطاني: إن سوق الطيران تشهد في الفترة الراهنة تحولات ساخنة وكبيرة في ظل شدة المنافسة من الطيران الخاص وأسعاره التنافسية. وكان من المنتظر أن تواكب الخطوط السعودية الطفرة الراهنة، إلا أن مشكلاتها في تأخير الرحلات والحجوزات في العام الماضي (على وجه الخصوص) أثر على مصداقيتها بشكل كبير وجعلها في مقارنة غير عادلة مع العديد من الخطوط والشركات الناقلة. ولفت القحطاني إلى عدة جوانب تميز الخطوط السعودية، أبرزها عملها في سوق كبيرة للنقل الداخلي، مقارنة بالعديد من الدول الأخرى؛ على خلفية اتساع مساحة البلاد وصعوبة التنقل بالسيارات في بعض المناطق، إلى جانب ضعف وندرة شبكة الخطوط الحديدية، كما تتمتع الخطوط السعودية بميزة موسمي الحج والعمرة إذ يتنقل أكثر من 6 ملايين مسافر. وقود بأسعار خاصة ويضيف الخبير الاقتصادي عبدالرحمن القحطاني أنه كان من المتوقع أن تشهد السوق تحولا في حركة النقل الداخلي بعد دخول طيران «سما» و«ناس» الخدمة، إلا إن ذلك لم يتحقق لغياب ضوابط المنافسة العادلة بين الشركات الثلاثة ولا سيما فيما يتعلق بأسعار الوقود الذي تحصل عليه «السعودية» بأسعار تنافسية دون إن يتوافر ذلك أيضا للمشغلين الآخرين، وهو ما عجل بخروج «سما» من السوق. وأضاف أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار أن طائرات «سما» و«ناس» من النوع الصغير الذي يتراوح بين 60 120 راكبا وهو ما يؤدي إلى صعوبة في تلبية الطلب بشكل كامل، كما تم السماح أيضا لهما بالتشغيل الخارجي لتعويض بعض خسائرهما الداخلية دون النظر إلى سد احتياجات السوق الداخلية أولا. وأرجع القحطاني خطة التخصيص التدريجية إلى درجة البطء الشديد في رؤية الجهات الحكومية المسؤولة إلى الخطوط على أنها ناقل وطني غير ربحي يسهم في تعزيز حركة النقل بين مختلف المناطق لتعزيز مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بين مختلف المناطق في ظل المسافات المتباعدة فيما بينها. الربح أساس الأزمة في المقابل، استغرب المدير التنفيذي لإحدى وكالات السفر والسياحة خالد باوزير، دعوات بعض مسؤولي الخطوط السعودية المطالبة برفع أسعار التذاكر، مشيرين إلى أن كثيرا من الخطوط تنقل بين نفس المسافات في حدود الأسعار التي تعمل بها السعودية حاليا. وقال إن خطوط طيران العربية وناس تقدم عروضا للنقل بين المملكة ومصر والبحرين في حدود 600 إلى 700 ريال في أغلب أوقات العام، مشيرا إلى أن المشكلة الأساسية التي تعاني منها «السعودية» هي الإدارة على أسس ربحية واستمرار البيروقراطية المعتادة في التشغيل واتخاذ القرار. وأضاف باوزير أن نجاح أية خطة للتخصيص مرهون بحسن استغلال الموارد البشرية، وهو الأمر الذي لم يتحقق في الخطوط السعودية في ظل وجود أكثر من 15 ألف موظف و29 نائبا للمدير العام ومحدودية الأسطول الذي لا يزيد بكثير عن 100 طائرة تعمل بالداخل والخارج، واصفا هذا العدد بأنه محدود للغاية. ليست صدمة بل منطق ويرى باوزير أن خروج «سما» من السوق لم يشكل صدمة، كما يعتقد البعض؛ لأنه كان نتيجة منطقية لعدم إقرار العمل وفق قواعد السوق ومن بينها: المساواة بين الشركات في سعر الوقود على الرحلات الداخلية على الأقل، وكذلك عدم توفير الدعم اللازم لتشغيل مدن الخدمة الإلزامية لجميع الشركات، كما لم يتم أيضا إقرار الرفع التدريجي لأسعار الرحلات وتوفير التمويل اللازم للحد من الخسائر التشغيلية وضعف السيولة اللازمة. واتفق باوزير مع آراء مجلس الشورى الداعية إلى ضرورة السماح لبعض الشركات الخليجية بدخول السوق في إطار شراكات استثمارية وتشاركية لسد الطلب على الرحلات الداخلية الطويلة على وجه الخصوص بما يضمن الحد من التأخير وقلة الرحلات، كما يتقف مع الرأي السابق بأن للتخصيص إيجابيات وسلبيات على صعيد ترشيد إعداد العمالة والارتقاء بالأداء، لكنه استدرك مشيرا إلى أن أفضل 10 شركات على مستوى العالم هي شركات حكومية لم تخضع خدماتها للتخصيص بعد. معيار التخصيص الناجح من جهته، يشير الخبير الاقتصادي مسفر آل رشيد إلى أن التخصيص في أبسط صوره يعنى جودة في الأداء بأقل قدر من التكاليف دون أن يؤثر ذلك على مستوى الخدمة، معتبرا الوضع الراهن في الخطوط السعودية يحتاج إلى معالجة جذرية. وقال إن الخدمة لازالت دون مستوى التطلعات في الحجز وخدمات المطار نتيجة غياب روح التنافس وتنفيذ العمل بروح البيروقراطية، وكان من نتائج ذلك ارتفاع المصروفات خلال عام تشغيلي واحد إلى 17 مليار ريال مقابل إيرادات بمعدل 16 مليار فقط. ويضيف آل رشيد: ينبغي إعادة هيكلة قطاع الموارد البشرية والحد من التذاكر المجانية، وأن يتم التشغيل وفق المعايير التجارية حتى يمكن إعادة «السعودية» إلى الربحية. ودعا إلى الاستفادة من قطاع الاتصالات الذي كان يشهد تعثرا ملموسا في ظل الإدارة الحكومية، أما الآن فانخفضت الأسعار بما لايقل عن 7 أضعاف وزادت الأرباح في نفس الوقت. كما يرى آل رشيد أن السوق تتغير حاليا ولابد أن تراعي الخطوط السعودية ذلك من خلال تقديم خدمات متكاملة لما بعد شراء التذاكر، وإلا ستظل الرغبة الأساسية هي تحصيل الغرامات على عدم إلغاء الحجز أو تغييره قبل السفر. وحذر الخبير الاقتصادي مما أسماه «استمرار الطبيعة الاحتكارية في السوق» وتفضيل الخطوط السعودية ببعض المزايا مثل أسعار الوقود ورسوم الخدمات، مؤكدا أن الطبيعة التنافسية تستلزم المساواة بين جميع مقدمي الخدمة حتى ينعكس ذلك على أرض الواقع ويؤدي إلى بناء شركات قوية تمتلك القدرة على البقاء. تجربة ماكنتوش والسرعة يستغرب آل رشيد تنفيذ خطة التخصيص خلال 10 سنوات. ووصف الفترة بالطويلة جدا على الرغم من قطع بعض الخطوات في هذا الاتجاه لاسيما في مجال التموين والشحن. وشدد على أهمية أن تتحول الخطوط إلى شركة قابضة تتبعها عدة شركات قوية قادرة على الربحية، داعيا إلى الحد من الترهل الإداري الذي يمثل عبئا أساسيا على مستوى الخدمة. وقال إن شركات عالمية كبرى نجحت في إحداث تحولات جذرية في أدائها خلال مائة يوم فقط بدون إمكانات مالية ضخمة مثل «ماكنتوش» وأنه ينبغى على «السعودية» الاستفادة من هذه التجارب؛ لأن السوق ستتغير من حولها سريعا وقد تدفع الظروف الراهنة باتجاه الاستعانة بشركات خليجية لسد العجز على الخطوط الداخلية وهو ما سيؤثر على خطط السعودية بشكل ملموس. كما يرى آل رشيد أن التخصيص الصحيح من شأنه أن يعيد هيكلة علاقة الخطوط بالراكب على أسس مهنية، سواء فيما يتعلق بالأسعار أو نظاق الخدمة ومستواها، مشيرا في ذات الوقت إلى أهمية إعادة النظر في أداء القيادات في الخطوط السعودية وتجديد الدماء بقيادات شابة تتمتع بديناميكية الأداء وفعاليته. وحمل هيئة الطيران المدني جانبا من المسؤولية عن القصور في التشغيل نتيجة استمرار الخلل في البيئة الاستثمارية لتشجيع مستثمرين جدد على دخول السوق. وخلص الخبير آل رشيد إلى أن تحرير سوق النقل ونجاج التخصيص مرهون بإنهاء الاحتكار وإثراء المنافسة التي تصب في النهاية في خدمة العملاء وتحسين الأداء والتحول من الخسائر إلى الأرباح. ولن يتحقق ذلك إلا بدخول شركات قوية قادرة على كسر الاحتكار، مشيرا إلى أن «سما» و «ناس» لم يملكا أسطولا قويا يمكنهما من المنافسة الجادة في السوق، كما لا يتحملان الخسائر الأولية وتشتت جهودهما بين الرحلات الداخلية والخارجية وبالتالي فشلا في المنافسة على المسارين الداخلي والخارجي.