كتب كثيرة ومثيرة تتدفق من رحم المطابع الأمريكية، كانت ولا زالت هكذا تتدفق، البعض منها ينفد فتصدره دور النشر في طبعات متوالية وأخرى تترجم سريعا إلى اللغات الحية وبذلك تزيد رقعة الانتشار الفكري الذي يتطلب من أجل تداوله رفع سقف حرية الفكر والحريات المدنية. لكن القضية الأكثر إثارة هي أن كثيرا من الكتب الجادة تركز إصدارها وإعادة استصدارها لأن طروحاتها لا زالت مشروع أبحاث تتوالد من خلالها الأسئلة. صحيح أن أزمة 11 أيلول قد انتهت ولكننا لا نزال نراوح التاريخ نفسه بأثر رجعي وغير متوقع أيضا. في سنوات قلائل سابقة كان أشهر تلك المطبوعات كتاب «Casualty of War»، يعني كارثة الحرب لمؤلفه ديفيد دادج، وقد جاء هذا الكتاب وغيره كثير في نطاق ما يعرف بطروحات فكرية تتناول الحادي عشر من أيلول ومن بعد ذلك أخرجت إلينا دور النشر كتابا آخر بعنوان «الجمهور العاري» يتبعه كتاب «القفص المريح»، وهناك أيضا كتاب الحرب ضد الحرية الأمريكية، وهناك أيضا كتاب America Unbound يعني «أمريكا الحرة» يتلوه كتاب آخر على نحو «آلام الأمبراطورية». وللواقع فكل هذه الكتب لم تكن تعبر عن مرحلة مخاض لولادة نظام دولي جديد، بل على العكس فالكثير من هذه الكتب تنطلق من رؤى استراتيجية وتكهنات تعنى بقراءة المستقبل لما تدفعنا إليه ضغوط التاريخ. لا يمكن تناول هذه الكتب جميعا وما يهمنا في هذا السياق هو الكتاب الأول الوارد بطي المقدمة، أذ صدر هذا الكتاب قبل بضعة سنوات ولكن أفكاره ومحتوياته ورؤاه لا تزال سارية المفعول إلى اليوم، وما يهمني في هذا السياق هي أن المؤلف دادج الذي كان يرأس مجلة حرية الصحافة في العالم، قال صراحة ذات مرة من خلال هذا الكتاب الذي صدر بعد نحو عام أو أقل من غزو أمريكا دولة العراق، هكذا كتب دادج ذات مرة قائلا «يتضح إلينا جميعا أن الرئيس بوش يشن حملة تكميم أفواه على وسائل الإعلام ليس في العالم من حولنا وإنما بالدرجة الأولى هو من يكمم الأفواه الحرة داخل أمريكا»، ومن ثم يتحدث دادج صراحة كيف استهدفت السياسة الأمريكية قناة الجزيرة وقتئذ وكذلك راديو صوت أمريكا، لقد صرخ دادج وقتئذ قائلا «أمريكا تضرب حرية الرأي وهي تريد أن ترتدي حرية الرأي قتيلة بالرصاص». ومن قبل ذلك كله يوضح دادج كيف أن الإجراء الأمريكي وقتئذ ساهم في تراجع الحريات شخصية وصحافية بحجة الحرب على الإرهاب. وهكذا يتضح لنا من خلال متابعات دادج كيف تخلت أمريكا عن الثقة بمسألة الحريات، فيما اعتمدت كليا على التفاوض مع خصوم الحرية بالسلاح والنار. الآن يتضح إلينا أن مشروع الحريات ينفجر في الشرق الأوسط من غير تعويل على الإسناد الأمريكي الذي تخلت عنه أمريكا ذات مرة وأغراها وهم دعاية الحرب ضد الإرهاب. يرى المؤلف دادج أن أمريكا وأدت مشروع الحريات، وهكذا فقد شجعت من خلال ذلك الكثير من دول العالم على استغلال الحرب الأمريكية ضد الإرهاب من أجل تحويلها داخل مجتمعاتهم المدنية إلى مشروع لقمع حريات الشعوب. وهذه هي الفكرة التي أراد المؤلف دادج من خلال كتابه حول كوارث الحرب، وربما بغير إدراك منه أن يجر أفهامنا بغية نقاشها وتداولها في ضوء وعلى خلفية ما هو جاري الآن بعد نصف نصف عقد زمان لإصداره الطبعة الأولى من الكتاب. Casualty of war: the Bush administrations assault on a free press David Dadge - 2004 - 349 pages