زرت اليمن قبل أعوام قلائل وعشت من خلال الشارع العامي وحياة المقاهي والسفر عبر طرق طويلة جوانب من انتشار الوعي والثقافة والمعرفة، فمعظم الأكشاك الصغيرة في الزوايا وأركان الشوارع والتي تقع بالقرب من فنادق مأهولة بالسائحين تكتظ بالصحف أسبوعية ويومية، هذا عدا المجلات والدوريات. معظم أهالي اليمن في القرى والمدن مسلحون وهذه حقيقة، فهم يحملون السلاح على أكتافهم ويحتزمون بسلاح أبيض له نصال حادة، ولكن الواقع في ضوء الأحداث الأخيرة أن اليمن لم يعد بلاد السلاح والذخيرة وهو كذلك ليس واحة للمقيل اليماني متبوعا بتخزين القات الفاخر يمانيا وغير يماني. لقد سئم اليمانيون من استخدام السلاح كما طلقوا ثقافة الرد على عنف بعنف آخر من نوعه.. لقد تغير اليمن من الداخل ومن خلال تفكيره وأسلوب لا يمكنك إحصاء نتاجه الفكري ولا متابعته لأنه كثير وكثيف ومتفرق ومتعدد وتلك هي البيئة الجديدة التي لم أكن أدركها لأن المطالبات اليمانية بالتعددية وممارسة الاعتصامات السلمية تدل على أن الثورة الحقيقة في اليمن هي ثورة وعي بالدرجة الأولى، وليس ثورة عناد أو عصبية كما أن ما يحدث لا يمكن تفسيره بطي انتفاضة القبائل المسلحة.. لو انفجرت هذه التظاهرات قبل بضع سنوات فربما كانت هناك كارثة ولربما امتلأت شوارع اليمن بتصفيات جسدية من الجانبين، فالشعب اليماني مسكون بالسلاح والذخيرة، فهم يمتلكون السلاح وتتوافر إليهم النخوة وثقافة الثأرات القديمة، ولكن الوعي ارتقى بهم لدرجة أن الناس لا يفضلون استخدامه ولذلك فهم لم يلجأون إليه لمقاومة الدولة إلى الآن. وهذا يحسب للوعي الجماعي يمانيا ولا يحسب ضدهم مطلقا.. وتلك هي الثورة الحقيقية التي استطاعت إلى الآن التعبير عن ذاتها من خلال اللجوء إلى أسلوب العصيان المدني المسالم. أنه نفس الأسلوب الذي عبر من خلاله الهنود عن رفضهم الواقع الإنجليزي في بلادهم وتمكنوا من خلال أدوات العصيان المسالم إلى استعادة حقوقهم من جيوب الشركات الإنكليزية، وهو نفس الأسلوب الذي لجأ إليه مارتن لوثر كنج في الداخل الأمريكي وتمكن لاحقا من خلال استخدامه لأدوات العصيان المدني المسالم هزيمة الاستبداد الأبيض، بل لم يكتف بذلك وإنما مارس الدستور الأمريكي بعد تغييره تصدير موقف السيد لوثر كنج إلى خارج أمريكا ومن هنا فالرئيس الأمريكي الحالي يعتبر نتاجا لأفكار ومرئيات وأعمال لوثر كنج. هذا هو الوعي وتلك هي الثورة التي تعني التغيير وليس المزيد من سفك الدماء، فقد تغيرت اليمن قلبا وقالبا بما فيه الكفاية، وهذه هي حكاية يمن جديد يخرج من المعطف التعبوي لثقافة البطش الذي عبر عنها ذات مرة أحد شعراء اليمن ذات ثورة قديمة، إذ تكلم إلى وسطاء للإصلاح بينه وبين خصومه قائلا «ليس بيني وبين خصمي عتاب ... غير طعن الكلى وضرب الرقاب». [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 265 مسافة ثم الرسالة